الرئاسيات الفرنسية 2022: اليمين ينظم صفوفه واليسار منقسم على بعضه وماكرون يلعب على جميع الحبال
البعث الإسبوعية- تقارير:
أعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال عن تاريخ الدورتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث حدّدت الدورة الأولى من الاستحقاق الرئاسي في الـ10 من نيسان المقبل على أن تنظم الدورة الثانية في 24 من الشهر نفسه. انتخابات يرى فيها الفرنسيون أنها تعكس الواقع المتشرذم للسياسة الفرنسية على الصعيد الداخلي وعدم قدرتها على صياغة خطاب جديد تستطيع من خلاله تعبئة الجماهير خلفها، فبعد الصراع التاريخي بين اليمين واليسار ومن يقود فرنسا ديغولي أم اشتراكي، طبعاً دون نسيان طفرات اليمين المتطرف، سقطت هذه المعادلة في الانتخابات الماضية بانتخاب رئيس لا ينتمي إلى المنظومة الحاكمة، بعد تأسيسه حزب فرنسا إلى الأمام الذي يقوده الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، الذي سرعان ما بانت عوراته واضمحلال رؤيته على الصعيدين الداخلي والخارجي، الأمر الذي أدّى إلى تراجع الثقة فيه بعد اكتساحه الانتخابات البرلمانية السابقة بنتيجة غير مسبوقة في تاريخ فرنسا، حيث لم يستطع في انتخابات الأقاليم التي جرت مؤخراً الفوز بقيادة إقليم واحد، ما يطرح الكثير من الأسئلة حول مآلات الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وماهية خارطة المرشحين النهائية، من سيكسب الشارع الفرنسي، وما هو الخطاب الأقوى، هل هو الانفتاح والليبرالية المفرطة أم الانكفاء والتقوقع والتطرف.
إجراءات وآلية جديدة
بعد تحقيقه نتائج مهمة في انتخابات الأقاليم والمناطق يسعى حزب “الجمهوريون” اليميني، الذي يجلس في مقاعد المعارضة منذ ثلاث دورات انتخابية، أن يظهر كطرف أساسي في الإنتخابات الرئاسية، ولكن النقطة الأبرز في عمل الجمهوريين في هذه الانتخابات هو الاتفاق على آلية اختيار المرشح في الانتخابات الرئاسية عبر تصويت الأعضاء المنخرطين في الحزب فقط، حسب كرستيان جاكوب رئيس الحزب الذي أكد تنظيم هذه الانتخابات في 4 كانون الأول المقبل، والذي سيسمح بالالتفاف والاصطفاف وراء المرشح الذي سيتم اختياره. ويتوقع أن تفتح طريقة التصويت الجديدة هذه الباب أمام مشاركة كزافييه برتران الذي تعطيه استطلاعات الرأي ما بين 12.3% و13.7% متقدماً على منافسيه بنقطتين أو ثلاث نقاط، وتقديم ميشيل بارنييه نفسه مرشحاً فوق العادة وعد بـ”الإيقاف المؤقت” للهجرة إلى حين “إصلاح جميع الإجراءات” المتعلقة بها، إضافة إلى فاليري بيكريس، رئيس منطقة “إيل دو فرانس” والنائب في الجمعية الوطنية إريك سيوتي إضافة إلى فيليب جوفان. وعلى المرشحين أن يستجيبوا لبعض الشروط كـ”احترام قيم اليمين المعتدل والوسط” والحصول على 250 توقيعاً من المنتخبين الذين ينتمون إلى حزب “الجمهوريون”. والأهم أيضاً في هذه الإجراءات الجديدة هو إنشاء لجنة مراقبة ستنظر في “أهلية الترشيحات” ومدى تطابقها مع “القيم” التي يدافع عنها حزب “الجمهوريون”، كي لا يتم تكرر ما حدث مع فرانسوا فيون في الانتخابات الماضية.
تشتت اليسار وانقسامه
في مقابل التحضيرات عند الجمهوريين لتوحيد الصفوف واستعادة دفة القيادة من جديد، يبدو أن اليسار الفرنسي في حالة من الانقسام غير مسبوقة فكل طرف يدعي أنه ممثل اليسار في الانتخابات الرئاسية حيث لم تؤدّ الجهود للاتفاق على مرشح يمثّل جميع الاتجاهات، الأمر الذي سيضعف حظوظ ممثليه في الوصول إلى الدورة الثانية. جان لوك ميلونشون على رأس فرنسا غير الخاضعة يتقدم استطلاعات الرأي كمنافس أول في الدورة الأولى وتمنحه استطلاعات الرأي ما بين 9% و16% تبعاً لتوجهات منظمي الاستطلاعات، يليه يانيك جادو عن الخضر بـ7% ثم أن هيدالغو المتوقع ترشيحها عن الحزب الاشتراكي بـ4% من نوايا التصويت، وفابيان روسيل عن الحزب الشيوعي، ولا تبدو عمدة باريس هيدالغو قادرة على جمع الاشتراكيين على الرغم من أنها أطلقت حملتها بالكثير من الشعارات والأفكار التي تدغدغ الشريحة الأوسع من الفرنسيين لناحية العدالة وتوزيع الثروة، مع وجود مرشحين يساريين يطرحون الأفكار نفسها وربما براديكالية أكثر من ناحية المضمون والتطبيق، الأمر الذي ينذر بمزيد من التشرذم والانقسام بين صفوف اليسار رغم أن استطلاعات الرأي في أوساط اليسار تدعم وبقوة خوض الانتخابات الرئاسية بمرشح واحد بـ66% من أصوات اليسار، حيث تبيّن التقارير أن اتحاد اليسار ممكن أن ينتزع من 25 إلى 29% من أصوات مجموع الناخبين.
معركة على كرسي اليمين المتطرف
أما في اليمين المتطرف فالمعركة من نوع آخر، حيث شكل ظهور الكاتب الفرنسي إيريك زيمور على الساحة تطوراً مفاجئاً لمارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، قالباً كل حساباتها بأن تكون الساحة خالية لها وإذا به يطلق برنامجاً أكثر تشدّداً وتحريضاً حيث قال زمور: إنه “إذا أصبح رئيساً لفرنسا سيُفعّل “القانون 1803في فرنسا” الذي يحظر تسمية أسماء غير فرنسية على الفرنسيين.
وخلف زمور تأتي مارين لوبان، التي أطلقت رسمياً حملتها الانتخابية الرئاسية في تجمع خطابي ضمَّ 900 من أعضاء حزبها والمتعاطفين معه، إذ لم تدَّخر جهداً في التلويح بعدائها للمسلمين كنقطة محورية في برنامجها الرئاسي، كما وعدت لوبان بـ”استئصال الإسلاميين” من الأحياء الفرنسية ووعدت بـ”وضع الجانحين الفرنسيين منهم في السجن، والأجانب في الطائرة”، متعهّدة في خطاب ألقته بمسرح فريجوس الروماني (جنوب فرنسا) بتعزيز هيبة الدولة في “مدن المخدرات أو المناطق التي باتت أشبه بمناطق طالبان” على حدّ وصفها.
بازار مزايدات
ويستمر الرئيس ماكرون في تصدر استطلاعات الرأي بـ25 و26% من نوايا التصويت، مستفيداً من التشرذم والصراعات داخل الأطراف المنافسة في ساحة اليسار كما في محور اليمين، حيث عمل ماكرون في الفترة الثانية من ولايته الرئاسية على تعزيز الخطاب المناهض لمسلمي فرنسا والتي افتتحها بإعلانه قانونه المناهض لـ”الانفصالية الإسلاموية”، وأجّجها بتأييد الرسومات المسيئة للنبي محمد، في محاولة منه لكسب أصوات اليمين ولاسيما المتطرف كما فعل في انتخابات 2017 التي نافس فيها مرشح اليمين فرانسوا فيون، “لكن هنا، هي دوافع انتخابية تدفع (ماكرون) إلى البحث عن حصد أصوات في اليمين، ومن ثم التحضير لمقابلة محتملة مع مارين لوبان في الدور الثاني من الانتخابات القادمة، والتي سترغم اليسار بالمقابل على منحه أصواتهم لأنهم لا يريدون لوبان رئيسة للجمهورية، وبالتالي يضمن حظوظه في ولاية ثانية”.
أخيراً
على الرغم من أن بعض المتابعين للأوضاع في فرنسا تؤكد أن حظوظ الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون هي الأوفر نتيجة ما تعيشيه الأحزاب التقليدية في فرنسا من يمين ويسار وحتى اليمين المتطرف، إلا أن باب الاحتمالات مازال مفتوحاً لظهور شخصية تكسب أصوات الشارع الفرنسي كما حصل مع ماكرون نفسه الذي أعلن ترشحه قبل ثلاثة أشهر فقط من موعد الانتخابات، فهل سنرى ممثل الاتحاد من الجمهورية أو الحزب الاشتراكي في الإليزيه من جديد؟، أم سيكون لظاهرة اليمين المتطرف إيريك زيمور رأياً أخر. لننتظر ونرى.