مجلة البعث الأسبوعية

الأشجار تحجز الصوت وتعزف الصمت

“البعث الأسبوعية” -غالية خوجة

ماذا بين البيئة والإنسان وأعماقه ومجتمعه وقيمه وحضارته المتواصلة؟ وهل تكفي البيئة الخارجية الطبيعية لتنعم البشرية بالطمأنينة؟

من أهم رموز البيئة الشجرة كجذور وأصول وانتماء، ورمز للتفاؤل والبدايات الجديدة، ورمز لأصل العائلة، وهي شجرة الحياة والخلود والمعرفة، كما أنها رمز للكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، والمناسبات العديدة والاحتفالات المرتبطة بالشجرة منها عيد الشجرة ويوم البيئة ويوم الميلاد.

وأول نسق للشجرة حضورها منذ البداية على هذه الأرض، كنخيل وتين وزيتون، وأشجار أخرى لها فوائدها من ثمر وأوراق ونسوغ وجذور وقشور، ثم أصبحت مادة للكتابة والرسوم مثل ورق البردى، أو تحولت من خلال الثورة الصناعية إلى ورق للكتابة والرسوم.

رموز بيئية

ولأهمية الشجرة وقداستها وحيويتها، اتخذت دول عديدة من الأشجار رموزاً لها مثل شجرة الأرز في لبنان، وورقة “الإسفندان” في كندا، بينما تتخذ أرمينيا شجرة الرمان رمزاً من رموز ثقافتها الوطنية والحياتية.

وكثيرون اهتموا بالرمان، الذي تتكون ثمرته من 365 حبة بما يساوي أيام السنة، ومنهم الشعراء والفنانون والأدباء، كما فعل أوسكار وايلد وعنون إحدى مجموعاته بـ”بيت الرمان”،  إضافة إلى أدب الرحلات، ومنها كتاب “مشاهدات من الشرق- يوهان إرنست فابر” الذي ورد فيه ذكر لسكان حلب ورمّانهم الذي يجمع بين المذاقين الحلو والحامض، ويضيفون إلى طعامهم ومنه الحساء عصير الرمان.

بينما نلاحظ العديد من الشعارات تتخذ من البيئة الطبيعية رمزاً لها مثل شعار الجمهورية العربية السورية المتضمن لسنبلتين ذهبيتين من القمح في أسفل الترس المحتضن للعُقاب، وشعار الأمم المتحدة المؤلف من زوج من أغصان الزيتون يحيطان بخارطة العالم.

بينما في العلوم الأخرى ومنها فيزيولوجيا الجسد، نلاحظ شجرة الأعصاب، والأوردة، والدماغ، والقلب، والرئتين، بأغصانها تنمو وتزدهر وتكبر وتهرم معنا.

إضافة إلى ذلك، فإن النقوش والزخارف المعمارية التراثية المحلية والعربية والعالمية ومنها التراث السوري والحلبي، لا تخلو من رسومات بيئية وكائنات نباتية، إضافة إلى المجوهرات والمعادن والسلاسل الذهبية والفضية و”الإكسسوارات” المتنوعة، وتأويلها المختلفة التي تمنح التفاؤل والإيجابية.

الناموس الطبيعي

حول البيئة بمفاهيمها المختلفة، الواقعية، الطبيعية، النفسية، الاجتماعية، الرووحية، العلمية، الثقافية، والفنية، دار حوارنا مع محمد جمال حمزة رئيس مجلس إدارة الجمعية الوطنية للتنمية البيئية بحلب، مؤكداً أن البيئة هي الوسط الذي يحيا فيه الكائن الحي تأثيراً وتأثراً ويتألف من مكونات الماء والهواء والتربة.

وتابع: البيئة النظيفة راحة وانسجام، ومنها الوسط النباتي ولونه الأخضر، وينصح بزيادة المساحات الخضراء، ومحاربة التصحّر والحرائق، لأن تحويل الأراضي الزراعية إلى قاحلة ممارسات ضد البيئة، وضد الناموس الطبيعي للطبيعة.

إعمار بمفردات الوعي

واسترسل: أكبر مساحة خضراء كانت في حلب قبل الحرب الظلامية على وطننا، ومهندسو الحدائق فنانون في التعامل مع هذه المساحات، واليوم ونحن في مرحلة إعادة التأهيل والإعمار، نحتاج إلى ترميم الحدائق والمساحات الخضراء لا بأسوار حجرية فقط، بل بالأشجار المثمرة والأعشاب ليتكامل المشهد البيئي الصحي، وهذا يحتاج إلى وعي شامل من قبل الجهات المختصة والناس، لأن البيئة عالم من العمران أيضاً، لكن بهندسة بيئية ومفردات طبيعية متلائمة في التشكيل والألوان والهندسة والتشكيلات الفنية للمساحات الخضراء والأمكنة، ومنها تشجير الشوارع بأشجار دائمة الخضرة مثل النخيل.

حياة خضراء بألوان دافئة

لكن ماذا عن الشمس لتكون الحرارة طاقة خضراء لا سيما وأنها عنصر رابع من عناصر الكون؟

أجاب: الحرارة باختلاف درجاتها ضرورة بيئية للنمو والتكامل، ومن الطاقة الخضراء التي لا تضر بالبيئة الطاقة الشمسية، والعقد المبرم بين بلدية حلب والخبراء الصينيين الذين وضعوا الألواح الشمسية للطاقة، يتضمن أن تكون مدة استخدامها 20 سنة، لكنها تخرج عن الخدمة بعد 4 سنوات، وذلك لأسباب متعددة منها عدم الصيانة الدورية، أضافة لانكسار الخلايا، وتأثرها بعوامل أخرى منها الرطوبة والغبار.

أبعاد اليخضور

وعن العلاقة بين ثقافة البيئة جمالياً وحياتياً وفنياً، ودور الألوان في هذا الوجود اليخضوري المتضاد مع الكربوني، أجاب: تمدنا الأشجار بالأوكسجين، وعملية اليخضور دورة حياة تكسبنا الأوكسجين النقي، لأنها تمتص الكربون الذي تفرزه الأشجار ذاتها ليلاً، والأخضر له فوائد عديدة، فأية شجرة أكبر من أي مصنع في العالم، في اليابان يهتمون كثيراً بهذه الأبعاد البيئية، والعالم بات يعرف أن مخلفات الكائنات الحية التي تغذي الأشجار، تكون نتيجتها أينع الثمار.

حاجز للصوت مصفاة للكربون

وتابع: الشجرة حاجز صوتي، وهي أهم جهاز طبيعي لامتصاص الضجيج وفوضى الصراخ، لأن الكثافة النباتية تمتص الأصوات المزعجة، فتبدو أقل صراخاً، مثلاً، صوت بوق السيارة في أول الغابة لا يسمع في آخر الغابة.

وأضاف: الشجرة، أيضاً، عبارة عن “فلتر” حقيقي لتنقية الهواء من الملوثات، وتساهم في امتصاص الإشعاعات الضارة الضوئية والغازية والكربونية، وبذلك تكون معملاً طبيعياً لتنظيف بيئتنا، وعلينا، بالتالي، أن ندرك أن  البيئة تحب النظافة أولاً، وتحارب كافة أشكال التلوث.

اهتزازات فنية

أمّا ما علاقة البيئة مع الأعماق الإنسانية وكيفية تأسيسها في بناء الإنسان والمكان؟

فرأى أن الوسط كائن حي بحاجة إلى طاقة إيجابية، على صعيد البيئة الطبيعية والاجتماعية والثقافية والفنية.

وأكد أنه ضمن هذا الوجود تغني الأشجار إيقاعاتها، فمثلاً، لو وضعنا أجهزة لتحويل اهتزازاتها وحفيفها إلى موسيقا، لتخبرنا عن آلامها وآمالها وعن أنفسنا، ولذلك، فإن الوسط الحي في البيئة يساعد على ممارسة نشاط الفنان والعالم والكاتب والشاعر والإنسان، ويكون عاملاً مساعداً في المزيد من الطاقة الإيجابية، وإطلاق الأفكار والمفاهيم العقلية، إضافة إلى أن البيئة وسط مساهم في عملية الصفاء والتأمل الروحي كما لو أن الطبيعة تمارس “اليوغا” إضافة إلى محافظتها على نمو هذا الكائن الحي روحياً وفيزيقياً ووجودياً.