العلاقات الأمريكية التركية عالقة بين المطرقة والسندان
سمر سامي السمارة
على هامش قمة مجموعة العشرين في روما، التقى أردوغان نظيره الأمريكي بايدن، وعلى الرغم من محاولة الجانب التركي -على وجه الخصوص- إظهار صورة بنّاءة للقاء، فقد كان واضحاً عدم إحراز أي تقدم يذكر لأي من الطرفين. ما يؤكد أن العلاقات الأمريكية التركية لا تزال عالقة بين المطرقة والسندان!.
تحدث الجانبان في التصريحات التي تلت اللقاء، عن رغبة في إدارة العلاقات في اتجاه إيجابي بعد عقد من التوتر، وذكر البيان التركي أن اللقاء تمّ في “أجواء إيجابية”، وأنه تمّ طرح تشكيل آلية مشتركة لمزيد من تعزيز العلاقات، لكن البيان التركي جاء حاملاً للعموميات ولم يتطرق إلى تفاصيل ما جاء في اللقاء.
على عكس البيان التركي -عند التدقيق في التفاصيل- برزت النقاط الخلافية الواضحة في البيان الذي صدر عن الجانب الأمريكي، حيث أشار على وجه التحديد، إلى أن الخلاف حول س 400 لا يزال قائماً، بالإضافة إلى ذلك تحدث الجانب الأمريكي عن مخاوفه بخصوص ملف حقوق الإنسان وسيادة القانون والدستور واحترام الحريات في تركيا، مؤكداً على وجود عدد كبير من ملفات الخلافات بين الجانبين.
من الجدير بالذكر، أنه على الرغم من إشادة بايدن وأردوغان باجتماعهما الأول في حزيران، الذي وصفاه بأنه بنّاء، فقد عادت التوترات التي أصابت العلاقة إلى الظهور مجدداً في الأشهر القليلة التي أعقبت الاجتماع، حيث بدّد استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان في آب الماضي، آمال أنقرة في استعادة دعم واشنطن.
وبعد شهر، شعر أردوغان بالغضب لأن بايدن لم يوافق على مقابلته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وفي مقابلة مع “سي بي سي نيوز” خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، صرّح أردوغان أن علاقته مع بايدن أسوأ مما كانت عليها مع أي رئيس أمريكي سابق.
بعد أقل من أسبوع، ظهر أردوغان في موسكو للقاء الرئيس الروسي بوتين، حيث طرح فكرة الحصول على المزيد من الأسلحة الروسية، وأدى شراء تركيا الأولي، لنظام الدفاع الصاروخي الروسي “اس 400” إلى فرض عقوبات أمريكية على تركيا وطردها من برنامج طائرة “اف 35”.
بحسب استطلاعات الرأي، يتطلع أردوغان، الذي يرزح تحت وطأة الاقتصاد المترهل والمعارضة القوية، إلى تحقيق نصر في الخارج ليقدمه للجمهور التركي الذي يفقد الثقة به. فقد شكلت السياسة الخارجية في السنوات الأخيرة الساحة الرئيسية التي استخدمها أردوغان لإسكات منتقديه والحصول على مكان لنفسه على المسرح العالمي.
منذ دخول بايدن البيت الأبيض، حافظ الرئيس الأمريكي على مسافة بينه وبين أردوغان، الأمر الذي ألحق الضرر بالمصالح الشخصية والسياسية لأردوغان الذي يقدم نفسه كزعيم عالمي.
قال “أيكان إردمير” المدير الأول لبرنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن: “يرى أردوغان العلاقات الثنائية من منظور العلاقات الشخصية”، وأضاف إردمير، وهو عضو سابق في البرلمان التركي، أنه مع اقتراب أردوغان من نهاية حكمه المحتملة، “حلت إدارة الانطباعات محل الدبلوماسية، كطريقة عمل رئيسية” لسياسة تركيا الخارجية. وبالتالي، فإن تجاهل بايدن المحسوس، وعدم التركيز على العلاقات الشخصية في العلاقات الدولية، خلق تحدياً خاصاً لأردوغان. في 18 تشرين الأول، انضم السفير الأمريكي في تركيا، إلى 9 مبعوثين غربيين آخرين لانتقاد استمرار سجن الناشط والمحسن التركي “عثمان كافالا”. لكن أردوغان هدّد بطرد السفراء، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة توافق لاحقاً على بيان بأنها تحترم الشؤون الداخلية لتركيا.
بالمقابل، اعتبر المراقبون أن ما قامت به الولايات المتحدة، كان بمثابة تراجع عن التحدث علناً عن حقوق الإنسان في تركيا أردوغان.
بدوره أكد إردمير، أن “الشعب التركي بحاجة إلى تضامن الحلفاء الغربيين لتركيا في كفاحهم ضد حكم أردوغان الاستبدادي، مضيفاً: يجب أن يكون هذا التضامن الغربي على الأقل شجاعاً وملتزماً، مثل النشطاء الأتراك الذين يخاطرون بحياتهم وحريتهم لمواجهة استبداد أردوغان”.
بالمحصلة يبدو أن الملفات الخلافية الرئيسية، لا تزال قائمة، ومن هذا المنطلق جاء الاتفاق بين الرئيسين أردوغان وبايدن حول ضرورة تأسيس آلية مشتركة بين البلدين من أجل بحث كل المشكلات والخلافات العالقة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن فكرة إنشاء آلية هي بحدّ ذاتها ذات وجهين، فهناك من قرأ الأمر على أنه تقارب بين الجانيبن، ولكن الكثيرين يرون أن تأسيس آلية مشتركة يعود للخلافات العميقة والكبيرة بين الجانبين، والتي لا يستطيع الرئيسان أن يحلاها في لقاءاتهما الثنائية، ولذلك تمّ الاتفاق على إنشاء هذه الآلية لترحيل هذه المشكلات والخلافات الكبيرة.