دراساتصحيفة البعث

أفريقيا ترفع الصوت ضد سياسة فرنسا الاستعمارية

هيفاء علي

عُقدت قمة أفريقية- فرنسية في مونبلييه، فرنسا، في 8 تشرين الأول الماضي، وهي الأولى من نوعها منذ عام 1973 حيث لم تتمّ دعوة أي رئيس دولة أفريقية إلى هذه القمة. تمّت مناقشة علاقات باريس الراهنة مع الدول الأفريقية مع رجال الأعمال والفنانين والناشطين الاجتماعيين. ونتيجة لذلك، فشل منظمو القمة في تجنّب الاتجاه السياسي في العلاقات بين فرنسا والدول الأفريقية، ذلك أنه بالنظر إلى السياسة الخارجية للإليزيه في السنوات الأخيرة، والتي أدت إلى احتجاجات حاشدة في العديد من الدول الأفريقية، حيث طالب السكان المحليون بمغادرة فرنسا للقارة، فقد كان الموضوع الرئيسي للقمة هو المشاعر المعادية للفرنسيين التي تجتاح أفريقيا، وخاصة في تشاد ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.

تقع تشاد في الجزء الساحلي من أفريقيا ولها علاقة تاريخية خاصة مع فرنسا، كما تعترف باريس. في عاصمتها نجامينا يوجد مقرّ القوات المشتركة لعملية “برخان” بقيادة فرنسا، وتنفذ هذه العملية بالتعاون مع خمس دول هي مالي وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر ضد الجماعات الإرهابية المتطرفة. لكن هذا الوجود الفرنسي في تشاد موضع انتقادات متزايدة في البلاد، حيث يستنكر سكان نجامينا التدخل المفرط في الشؤون الداخلية للبلد. وقد نمت المشاعر المعادية لفرنسا بقوة بعد وفاة الرئيس إدريس ديبي في نيسان الماضي، وإنشاء سلطات عسكرية مؤقتة في البلاد برئاسة نجل ديبي، حيث تتهم فرنسا بدعم استيلاء الجيش على السلطة، وهو ما أكده السكان بوجود الرئيس الفرنسي ماكرون في جنازة الرئيس إدريس ديبي والقائد الجديد للمجلس العسكري. ومنذ ذلك الحين، تمّ إحراق الأعلام الفرنسية في كل مظاهرة ضد السلطات العسكرية التشادية الحالية احتجاجاً على هذه السياسة الاستعمارية الجديدة، حيث استنكر السكان المحليون تدخل الجمهورية الخامسة في الشؤون الداخلية للدولة واتهموها بمحاولة الاستيلاء على السلطة في الظل.

كما تنامت المشاعر المعادية للفرنسيين مؤخراً في مالي، حيث يتهم السكان العاصمة السابقة بأنها مسؤولة عن فشل عملية “برخان”، مشيرين إلى أن فرنسا لم تفشل فقط في القضاء على المسلحين، بل عزّزت وجودهم من خلال تزويدهم بالسلاح والمال والطعام. ومع ذلك، على الرغم من الهزيمة الواضحة، يرفض الرئيس ماكرون الاعتراف بأنه طوال سنوات وجود قواته في البلاد، فشل في التعامل مع تهديد التطرف وضمان سلامة السكان. إضافة إلى ذلك، حاول الرئيس الفرنسي تبرير الوجود العسكري في مالي أثناء مقابلته على قناة “فرانس إنتر” بخصوص استكمال عملية “برخان” وانسحاب الكتيبة العسكرية من هذا البلد الأفريقي. لكن ماكرون لم يعبّر في هذه المقابلة عن حقيقة أنه خلال سنوات الوجود في مالي، لم تكن الوحدة العسكرية الأجنبية قادرة على هزيمة الجماعات المتطرفة فحسب، بل على العكس من ذلك عزّزت وجودها بشكل كبير. كما لم يشرح للصحافيين كيف هدّدت فرنسا سلطات الجمهورية الأفريقية بسحب قواتها، الأمر الذي تحوّل إلى تلاعب بسيط ومحاولة للسيطرة على هذه الدولة.

في بداية شهر تشرين الأول الفائت، أكد رئيس وزراء مالي المؤقت، تشوجويل كوكالا مايغا على صلات فرنسا بالإرهابيين، قائلاً إن السلطات في باماكو لديها أدلة على ذلك، وأن الجماعات الإرهابية الموجودة في الموقع تمّ تمويلها من خارج البلاد. ووفقاً لرئيس الوزراء، أنشأت القوات الفرنسية جيباً في كيدال وسلّمته لحركة مكوّنة من ممثلين عن “أنصار الدين”، مع العلم أن هذه الحركة تتعاون مع تنظيم “القاعدة” الإرهابي الدولي. لذلك يسعى الاليزيه لإثبات حقه في إملاء إرادته السياسية على الدول الأفريقية وغزو أراضيها، وبالتالي هو عدو مقنع لمالي ويجب على ممثليه مغادرة البلاد فوراً، بحسب المتحدث باسم الحزب المالي “التحالف الرافض لميثاق الانتقال الذي اعتمدته يونتا”. بالإضافة إلى ذلك، قال موظفو راديو “لينغو سونغو” إن فرنسا والدول الغربية تحاول إخراج الحوار الوطني المقبل عن مساره في جمهورية أفريقيا الوسطى من خلال وسائل الإعلام الخاضعة للرقابة مثل “اللوموند والفيغارو وفرنسا24”. ووفقاً للمتحدث باسم رئاسة جمهورية أفريقيا الوسطى، ألبرت يالوك موكبيم، فقد أطلقت السلطات الفرنسية العنان لوسائل إعلامها بغية تشويه صورة وسمعة جمهورية أفريقيا الوسطى وتشويه صورة حلفائها، وخاصة روسيا ورواند بعد أن رأى سكان وسط أفريقيا وتلمسوا فوائد تعاون الجيش الوثيق مع المتخصّصين والمستشارين الروس الذين ساعدوا مقاتلي القوات المسلحة الكونغولية في إزالة التهديد الذي كان يشكله المسلحون ونجاحهم في إحلال السلام في البلاد.

وبذلك، تظهر العمليات الأخيرة في القارة الأفريقية وصعود المشاعر المعادية لفرنسا أن المستعمرات السابقة كانت منذ فترة طويلة دولاً مستقلة غير مهتمة بإشباع شهية الجهات الأجنبية من جانب واحد. أما اليوم فقد فقدت فرنسا نفوذها ليس فقط في إفريقيا ولكن أيضاً في أماكن أخرى. وفيما يتعلق بعملية “برخان” السابقة لمكافحة الإرهاب التي أعلنتها باريس والتي فشلت في نهاية المطاف دون الحدّ من التهديد الإرهابي في القارة، وبرز السؤال الكبير: أين الأموال الطائلة التي تمّ سكبها لصالح هذه العملية ولمن ذهبت؟. من المؤكد أن الإخفاقات على الأراضي الأفريقية قد أضرّت بموقف فرنسا على المسرح العالمي، وضاعفت أخطاء إيمانويل ماكرون في السياسة الخارجية للجمهورية الخامسة، خاصةً وأنه ينتهج إستراتيجية استعمارية جديدة لا تحتمل في العالم اليوم.