ثقافةصحيفة البعث

معرض شفيق اشتي.. بلاغة التصوير في اللوحة

افتتح معرض الفنان التشكيلي السوري شفيق اشتي مؤخراً في خان أسعد باشا التاريخي الكائن في منطقة البزورية بدمشق، وقد ضم عدداً كبيراً من اللوحات تجاوزت السبعين عملاً بقياسات مختلفة أنتجت في سنوات سابقة، وكان من المقرر أن تكون ضمن معرض فردي للفنان منذ سنوات في صالة المركز الوطني للفنون البصرية، إلا أن ظروفاً أربكت قيام ذلك المعرض حينها، واليوم يفتتح بنجاح تحت رعاية وزارة الثقافة، هذا المعرض الهام الذي يعتبر نقلة نوعية ومؤشراً طيباً على صعيد نوعية المعارض الجادة التي تقدم فناً تشكيلياً حقيقياً يليق بسمعة ومستوى التشكيل السوري في هذا الموسم، والفنان اشتي من الأسماء الحاضرة بمنتجها الأكاديمي المتميز كفنان مصور، وأستاذ جامعي حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة بطرسبورغ، وعلى الإجازة من كلية الفنون بجامعة دمشق، تتميز تجربته بالمحافظة على قيم التصوير الأكاديمي، والعناية بأساس لوحة التصوير القائم على التوازن في التكوين، والغنى اللوني القائم على التحليل والمعرفة، إضافة إلى توفر عنصر الخط الذكي والحساس المانح للشكل حدوده الغرافيكية، وفي هذا المقام تتميز لوحة اشتي بذلك الكم الكبير من ترددات الخط وتواتر حضوره مكرراً وكثيفاً ينافس في المساحة سطح الأجزاء الملونة التي لا تكتمل إلا بذلك التردد للخط الأسود الذي لا يعرف مستقراً إلا في نهاية حدود وظيفته الهندسية واللونية معاً.

يحمل المعرض عنوان “روح بالميرا”، وقد تقدمت أعماله أكثر من لوحة واقعية تمثّل تدمر الأثرية في مشهد باذخ موشّى بالحرير الملوّن، وامرأة تعلو فضاء المكان- علّها روح زنوبيا العظيمة- قائمة في مكانها كالتاريخ، إلا أن أغلب الأعمال اللاحقة تخرج عن هذه التيمة، وتذهب نحو تعبير غني بالمشاهد الإنسانية، والحشود التي تتوزع في اللوحة ضمن بناء قوي يرتكز على نسب بصرية محسوبة لصالح التكوين والعمق في اللوحة، حيث قيم النور تتبدى كخلفية تتمركز أعلى من منتصف اللوحة، مانحة العمل حضوراً مسرحياً، أو ما يشبه روح الأعمال الكلاسيكية العظيمة، رغم كل التهشيرات السريعة على سطح اللوحة من ذلك الخط الأسود الذي يجعل من حركية العمل ظاهرة، وتقارب موتيفاً مشغولاً بحرفية الموثق التاريخي.

لعل هذا المعرض من أكثر المعارض انتماء لروح الرسم الأكاديمي قياساً بالمعارض الموجودة حالياً في صالات العاصمة، حيث التلفيق والتغريب على قدم وساق دون أي اعتبار لقيم الرسم التقليدية في حدودها الدنيا على الأقل، ما يجعل السؤال ملحاً عن دور إعلامنا في تعويم بعض التجارب المشوشة على حساب الفن الصحيح واللائق بمهام تطوير الذائقة؟!.

أكسم طلاع