التهميش في سوق العمل.. معاناة أخرى لذوي الاحتياجات الخاصة تضاف إلى معاناتهم في التعليم!
رغم اهتمام الجهات الرسمية والجمعيات الأهلية بدمج الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، قياساً للواقع، مازال العمل بهذا الخصوص متواضعاً ويحتاج للكثير من الخطوات الجريئة لتحسين واقع هذه الشريحة، فالمراقب والمتابع يرى بوضوح ما تعانيه العديد من المدارس المعنية بالدمج، سواء لجهة النقص باللوازم التعليمية التي تساعد على إيصال المعلومة، أو ما يتعلّق بمعاملتهم والنظرة لهم وقلّة فرص العمل لهم قياساً بغيرهم من خريجي الجامعة أو الحاصلين على شهادة الثانوية العامة!.
أثناء البحث في حيثيات هذه المشكلة لمسنا شكاوى من المعلمين العاملين في إحدى غرفة المصادر الموجودة بإحدى المدارس، تلك الغرفة الخاصة بذوي الاحتياجات والتي لا تزال قيد المعالجة، وكان من أبرز الشكاوى، عدم اختيار الحالات المناسبة لذوي الإعاقة القابلة للتعلم والتطوير، مشيرين إلى أن الحالات الموجودة في مدارس الدمج مختلفة كلياً ولا تخضع جميعها لأسلوب تعليم واحد، فالإعاقة السمعية ليست كالإعاقة البصرية أو الذهنية أو التوحد، وبرأي المعلمين بات هناك ضرورة ملحة لفرز الحالات حسب نوعها وشدتها والتعامل معها بطرق علمية وتعليمية خاصة لكل حالة، للوصول للنتائج المرجوة، ومع ذلك لا يبخل معلم غرفة المصادر بجهده مع تلك الحالات، إلا أن نقص الكوادر والخبراء قد يسبب فشل المهمة في عملية التعليم.
عدم وعي الأهالي
مدرّسة المصادر ابتسام ميا أشارت إلى ازدياد حالات الإعاقة في المدارس خلال السنوات الأخيرة، وأغلبها يتعلق بحالات التوحد، وبيّنت أن هناك حالات شديدة يصعب التعامل معها وتحتاج إلى خبراء مختصين لمساعدتهم، فهؤلاء الأطفال المعوقين “لديهم ردود أفعال لا يمكن السيطرة عليها وإلزام الطفل بعملية التعلم لأنه غير قادر على إدراك ما حوله”، مما يتسبّب –حسب قولها- بهدر الوقت الذي يمكن أن يمنح لغيرهم ممن هم أكثر قدرة على الاستجابة والاستفادة من المعلومات المقدمة لهم. وترى ميّا أنه لابد من دراسة حالة الطفل قبل دخوله المدرسة وتوجيهها إلى المعهد المناسب للحالة كالإعاقة الذهنية وغيرها من الحالات الشديدة، وما يزيد المشكلة في التعامل مع هؤلاء الأطفال هو عدم وعي الأهالي للحالة الموجودة لدى طفلهم وعدم الاعتراف بها، فمعظمهم غير قادرين على تصديق واقع ابنهم وعدم قدرته على مجاراة أقرانه في عملية التعلم. وشدّدت ميا على ضرورة توعية الأهل بسبل التعامل مع أبنائهم واختيار الطرق الأمثل لمساعدتهم، مشيرة إلى أن الحالات الأخرى القابلة للتعلم والتي تصل إلى مستوى جيد في مرحلة الابتدائية لا تجد لها مكاناً في المراحل التعليمية الأخرى، لأن عمليات الدمج هي فقط في هذه المرحلة الأولى، أي أنه لا يمكن الاستمرار في مدارس المراحل اللاحقة لأنه لا يوجد فيها دمج لذوي الاحتياجات الخاصة.
فرز الحالات
تعمل وزارة التربية على دمج من لديهم صعوبة في التعلم ولم تدرج حالاتهم ضمن التصنيف الوطني لذوي الإعاقة الصادر بعام 2017 وضمن مدارس مخصصة لهذا الغرض بكافة تجهيزاتها من مرافق وغرفة مصادر وغيرها من الترتيبات اللازمة وتدعى مدارس الدمج وتبعيتها لوزارة التربية. وهنا توضح مديرة الخدمات الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هنادي خيمي أنه في حال تمّ اكتشاف حالات ضمن المعاهد التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والتي تُعني بتقديم الخدمات التعليمية والتربوية لذوي الإعاقة يتمّ العمل على توجيه الأهل لاصطحاب أبنائهم إلى وزارة التربية للنظر في إمكانية إلحاقهم بالمدارس الحكومية، وذلك بعد عرضهم على لجنة التقييم الخاصة بالدمج لديهم، أما بالنسبة للإجراءات التي اتخذتها الوزارة بما يتعلق بحالات الإعاقة الذهنية ودمجها فهي عنوان واسع يضمّ التخلف العقلي بشداته المختلفة والتوحد والصرع ومتلازمة داون أو ما يعرف بالمنغولية، ويتمّ العمل معها ضمن معاهدنا للإعاقة الذهنية لتدريبهم على مهارات العناية بالذات، وحسب الاستعداد والقدرات الموجودة لدى كل حالة على حده لإمكانية انخراطهم في البيئة المحيطة بهم والمجتمع ككل، بالإضافة إلى أن البعض من ذوي متلازمة داون تمّ إلحاقهم بالاولمبياد الرياضي الخاص لذوي الإعاقة، سواء كان ضمن المعاهد التابعة للوزارة ومديرياتها في المحافظات أو ضمن المسجلين لدى الجمعيات الأهلية الحاصلة على ترخيص من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية التي تُعنى بتقديم خدماتها لهذه الشريحة.
تجارب ناجحة
أما فيما يتعلق بمرحلة دخول سوق العمل، تضيف خيمي: يوجد قسم ضمن معهد التأهيل المهني للمعوقين بدمشق يقدم خدمات التدريب والتأهيل على الحرف البسيطة التي تتناسب مع ذوي الإعاقة الذهنية وخاصة متلازمة داون، ليصار إلى حصولهم على شهادة تأهيل مهني معتمدة تؤهلهم لدخول سوق العمل. وفيما يتعلق بمرحلة ما بعد الدمج وضمان استمرار عملية التعلم لدى الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة لذوي الإعاقة ككل فالبعض منهم تابع تعليمه ضمن المرحلة الجامعية ومن لديه الإمكانية، وحسب نوع الإعاقة اكتسب درجات عليا في التعليم، والبعض الآخر ممن تمّ دمجهم تابعوا طريقهم من خلال التكيف مع المجتمع بأقصى ما يمتلكون من إمكانيات، وبأقصى ما تمّ تعليمهم أو تدريبهم عليه سابقاً ودخلوا سوق العمل واستطاعوا الاعتماد على أنفسهم بكسب مورد رزق لهم ولم يبقوا عالة على أسرهم وذويهم، حيث هناك في كل معهد من معاهدنا مختصون تربويون نفسيون واجتماعيون، كما يتمّ دراسة حالة الطفل لدى دخوله المعهد لأول مرة، ويتمّ تقييمه من قبل مختصين بالاستعانة بالمعلمين والكادر الإداري للحصول على المعلومات التي تبيّن مدى تطور حالته إيجابياً أو سلبياً وتوثق كل هذه المعلومات في اضبارة الطالب ويتمّ إرشاد الأهل لكيفية التعامل مع أبنائهم.
حاجة ملحة
لا نستطيع بأي حال من الأحوال إنكار الجهد الذي تبذله الجهات المعنية في دمج ذوي الاحتياجات الخاصة وإدخالهم سوق العمل بما يتناسب وحالاتهم، إذ الملاحظ أن هناك انكماشاً في فرص العمل. بالمختصر، لا زال العمل في هذا الإطار يحتاج الكثير من الجهد للاستفادة من هذه الشريحة وزجها في المجتمع كحالات التوحد بدرجاته المختلفة وحالات أخرى تحتاج الرعاية، مع فرز المختصين للتعامل معها في مدارس الدمج لمنحها الاهتمام اللازم، مع التأكيد على ضرورة تقديم المساعدة للأهالي لتقبل حالات أبنائهم ومعرفة طرق التعامل معهم، مع ملاحظة أنه ليس من المجدي أن تكون عملية الدمج مرهونة بالمرحلة الابتدائية، بل يجب أن تستمر على الأقل في حلقات التعليم الأساسي كافة كي يمنح الطالب فرصة أفضل لتطويره ومساعدته على التعلم ومن ثم الحصول على فرصة عمل تشعره بأنه فاعل وغير مهمّش في مجتمعه.
ميادة حسن