مجلة البعث الأسبوعية

فخر الطرب

البعث الأسبوعية- سلوى عباس

مابين أول موال صدحت به حنجرة الفنان الراحل صباح فخري “غرد يا بلبل وسلّ الناس بتغريدك” الذي علمته إياه إحدى صديقات والدته، ومابين لحظة رحيله منذ أيام يمتد تاريخ من زمن جميل سجله الفنان صباح فخري في معجم الطرب الأصيل فمنذ صغره كان يحضر جلسات والدته مع صديقاتها وجاراتها ومنهن بدأ يتعلم ما كان يُغني في تلك الجلسات، بعدها بدأ بحضور مجالس الطرب بصحبة شقيقه الأكبر عبد الهادي وهناك تعرف على عازف العود والملحن السوري محمد رجب، فتعلم منه موشح “يا هلال غاب عني واحتجب”، ليبدأ تجربته الأولى مع التلحين في الرابعة عشرة من عمره بأنشودة (يا رايحين لبيت الله/ مع السلامة وألف سلام/ مبروك عليك يا عبدالله/ يا قاصد كعبة الإسلام)، أما أول لحن حمل بصمته فكان “جرحي خزن” وبدا فيه متأثراً بالأنماط الموسيقية الأصيلة الأخرى في المنطقة، ولاسيما المواويل الشامية والعراقية، وفي لحنه هذا بدا فناننا الراحل ميالاً إلى إيجاد الفراغات والوقفات الصامتة القصيرة التي لا تهيئها أغاني القدود، لتساعد هذه البنية على إظهار قدراته الصوتية الخاصة، عندما يخفت الإيقاع، لكن هاجس الحفاظ على الأصالة كان طاغياً في تلك المرحلة، ليذهب صباح فخري باتجاه اختيار كلمات فلكلورية يقدمها بألحانه الجديدة، فسجل نحو  160 لحناً بين أغنية وقصيدة وموشح وموال.

وبالرغم من اقتران القدود الحلبية باسم الراحل صباح فخري إلا أن أغانيه لا تنتمي كلها إلى هذا النمط، بل إن كثيراً لم يُصَغ بأسلوب القدود الذي تُركب فيه الكلمات على الألحان الفلكلورية المستقاة من التراث الموسيقي الإسلامي بأسلوب يحافظ على جمالية الفنون الإسلامية الموسيقية ويجردها من أبعادها الدينية وثقلها، إذ لحن 29 أغنية من بين أغانيه بنفسه، والكثير من الأغاني التي قدمها من ألحان الشيخ سيد درويش وعمر البطش ومحمد عثمان وكامل الخلعي وزكريا أحمد ومجدي العقيلي وغالب طيفور وسري الطنبورجي وبكري الكردي ومحمد المنجي الحلبي.

تاريخ تجاوز النصف قرن من الشهرة والشعبية نالها الراحل الذي عُرف بصوته القوي بطريقة استثنائية، ويُعرف بأدائه المميز على المسرح، حيث كان يصر على التفاعل بينه وبين جمهوره، فكان يقول: “الجمهور يلعب دوراً أساسياً في إخراج القدرة الإبداعية لدى المغني، لذلك على الجمهور أن يبقى يقظاً تجاه الموسيقا والكلمات، وبالتالي من شأن ذلك أن يجعل الجمهور يقدر الموسيقا التي تُعطى له.

حامل مفاتيح المدن والقلوب.. سيد القدود الحلبية وملكها.. رمز الطرب الأصيل.. وغيرها من الألقاب التي أُطلقت على الراحل صباح فخري الذي عاد إلى مدينته حلب لتستقر روحه في ترابها مطمئنة، ليبقى زوار حلب يصعدون أدراج قلعتها على مقام النهاوند وصوت صباح فخري يردد أغنيات “قدك المياس ياعمري، خمرة الحب، قل للمليحة، يا مال الشام، هيمتني، في الروض أنا شفت الجميل، يا ذي القوام السمهري وغيرها من روائع الفنان الراحل” تطير على غيمة من عبق الفن لتمطر سلاماً ومحبة على روابي مدينة حلب.