مجلة البعث الأسبوعية

الموت المفاجئ ظاهرة تقف في وجه طموحات الرياضيين…والأسباب قيد التدقيق

البعث الأسبوعية-سامر الخيّر

يعتبر الرياضي سواء المحترف أو الهاوي صاحب الصحة الجسدية المثالية نظرياً، فهم الأكثر قدرةً على التحمل والأقوى والأسرع، لذلك يسبب موت أحد الرياضيين نتيجة التوقف المفاجئ للقلب أو ما يعرف علمياً بـ”الموت المفاجئ” صدمةً كبرى لقطاعات عريضة من المجتمع، خاصة الذين يحسبون أن ممارسي الرياضة هم أكثر الناس وقاية من توقف القلب المفاجئ، وأن ممارسة الرياضة أهم الخطوات المطلوب اتباعها للحماية من أمراض القلب والدورة الدموية، بالإضافة إلى أهميتها في المحافظة على صحة الجسم.

ومع وفاة شون رودين بطل مستر أولمبيا عام 2018 عن عمر ناهز 46 عاماً قبل أيام ، عادت الصحافة الرياضية للحديث حول أهمية التوعية الطبيّة للرياضيين في مختلف الاختصاصات وضرورة وجود بروتوكول يتبع عند ممارسة الرياضة وبشكل خاص للرياضيين المحترفين، إلاّ أنّ قضايا الموت المفاجئ لدى الرياضيين لم تستحوذ على الاهتمام المطلوب من قبل الصحّة العالمية وبالتالي لا يوجد حملات توعية كافية أو حتى تغطية إعلامية سوى عند تكرار وفاة أحد الرياضيين وينتهي الموضوع بعد أيام قليلة على الحادثة، وما يثير العجب أنَّ ما بين 1 إلى 3 لكل 100,000 رياضيّ من الذين يبدون بصحة جيدة يصابون بشكلٍ مفاجئ بعدم انتظام ضربات القلب، ويموتون فجأةً أثناء ممارسة الرياضة، وأكثر الرياضيين عرضةً لهذه الحالة هم لاعبو كرة السلة وكرة القدم في الولايات المتّحدة ولاعبو كرة القدم في أوروبا.

والموت المفاجئ تعريفاً هو الموت الذي لا ينتج عن أذى جسمي بل نتيجة اعتلال في القلب، على أن يكون حدوث الوفاة بعد ساعة من بداية أعراض الاعتلال ويكون المتوفى خلالها في حالة صحية جيدة، أما إذا كانت حالـة الوفاة أثناء ممارسة الرياضة، فيكون التعريف هو حدوث توقف القلب المؤدي إلى الوفاة في مدة أقصاها ساعة بعد الانتهاء من ممارسة الرياضة خاصة الرياضات التنافسية التي تتطلب بذل أكبر مجهود للفوز.

وفي عام 2014 قدمت دراسة لجامعة سويدية تؤكد أن خطر التعرض للموت المفاجئ يتضاعف في أثناء ممارسة التمرينات الرياضية، ولا يقتصر على غير الرياضيين، إذ تبلغ نسبة تعرّض الرياضيين للموت المفاجئ 1-3 من بين كل 100 ألف رياضي، وتزداد احتمالات تعرّض الرياضيين الذين تبلغ أعمارهم 35 عاماً أو أكثر للموت المفاجئ، وفي عام 2017 نجح فريق دولي من الباحثين في تحديد جين جديد قد يؤدي إلى الموت المفاجئ لدى الشباب والرياضيين.

وحسب آخر الدراسات المقدمة من مراكز الطب الرياضي في الولايات المتحدة الأمريكية، ترجع أسباب هذه الظاهرة إلى ثلاثة أسباب رئيسة وأخرى ثانوية، الأول اعتلال عضلة القلب التضخمي، ويمكن تأكيد وجوده من خلال التقصي في التاريخ الصحي للرياضي، والكشف الطبي وتخطيط القلب، وتخطيط صدى القلب، ويحتلّ المرتبة الأولى بين أسباب الوفيات المفاجئة إذ يسبب من 1 إلى 5 من الحالات بين الذين يمارسـون الرياضة التنافسية، وهناك تشوهات شرايين القلب المسؤولة عن 14% من حالات التوقف المفاجئ للقلب، وأكثر تشوهات شرايين القلب هي التشوه الذي يحدث عند مخرج شريان القلب الرئيسي الأيسر، ما يتسبب في انخفاض تروية عضلة القلب، أثناء القيام بالمجهود البدني.

أما ثالث هذه الأسباب فهو الارتجاج القلبي، ورغم ندرة حدوث هذه الحالة قياساً بغيرها لكن  يمكن إغفالها، وتحدث في وقت يكون فيه تكوين القلب العضوي وخصائصـه سليمة من دون خلل، لكن تعرض الرياضي لضربة شديدة على الصدر في منطقة القلب تحدث بارتطام كرة أو مضرب أو لكمة قوية، على أن يكون توقيت الضربة أثناء فترة التناثر الكهربائي للدورة القلبية، ما يؤدي إلى اضطراب النظم في ضربات القلب.

وآخر الأسباب هو بالحقيقة مجموعة من العوامل كاضطرابـات النظم فـي انقباض البطين الأيمن وتصلب شـرايين القلـب واستخـدام العقاقير المنشطة، وانفجار الشريان الأبهر والتهاب عضلة القلب وتشوهات صماماته.

فما الذي يمكن القيام به للحدّ من هذه الظاهرة؟ بدايةً يجب التأكيد على أهمية الكشف الطبي، بما في ذلك اختبارات مفصلة للقلب والدورة الدموية، وذلك قبل ممارسة التدريب أو الرياضة القاسية، وحقيقةً أثبتت الدراسات سلامة الجهاز الدوري والقلب عند الأكثرية العظمى من الرياضيين الذي لا يمارسون رياضات قاسية تتطلب تمريناً مواصلاً، أما الرياضيين الذين تلقوا تدريباً عالياً، فقد ظهرت علامات تدل على اعتلال ناتج من التضخم الفيزيولوجي للقلب، وإذا أثبتت التحاليل وجود اعتلال في عضلة القلب المتضخم، فلا يجب أن يسمح للاعب بممارسة أي رياضة إلّا مجموعة من التمارين الخفيفة.

وبشكل عام يجب التركيز بعد الكشف المبكر والدوري على “الاستشفاء” حيث يحتاج الجسم إلى هذه العملية التي تستهدف إزالة كل آثار تلك التدريبات أو بعضها، وإعادة تهيئة الشخص من جديد لأداء التدريبات الرياضية، إذ يحتاج الجسم إلى ممارسة تمرينات الاسترخاء والمساج والساونا والجاكوزي، وهذه الأنواع من الاسترخاء تعيد الجسم إلى حالته الطبيعية، إضافةً إلى تناول الغذاء المتوازن والنوم لمدة لا تقل عن ٨ ساعات يومياً، ويجب على الشخص الذي تخطى الـ40 عاماً وأجرى عمليات ألّا يمارس التمرينات الهوائية كالمشي والجري وركوب الدراجات أكثر من ساعتين أسبوعياً، أما من تخطى الـ٥٧ عاماً فلا يجب أن يمارسها لأكثر من ١٠ دقائق يومياً.