معرض حمص القديمة بريشة فناني المدينة
حمص- آصف إبراهيم
حمص واحدة من المدن السورية العديدة التي تنضوي في أحيائها القديمة كنوز فنية معمارية رائعة الجمال يفوح من جنباتها عبق الماضي وجذوة الحاضر، خربت الحرب شيئاً من معالمها وشوّهت الكثير من تفاصيل الإبداع والمهارة المعمارية فيها، لكنها اليوم تستقبل يومياً أناساً غادروها مكرهين، يعودون بشوق إلى دفء بيوتها وحنو جوامعها وكنائسها وحرارة أسواقها وظل أزقتها، يعودون محملين بالشوق والألفة التي أورثتهم إياها تلك الأزقة والبيوت المتلاصقة، ليعيدوا إلى بيوتها وأسواقها ودور العبادة فيها الألق الذي كان.
حمص القديمة مع كل تلك التفاصيل كانت موضوع المعرض الفني الذي أقامه اتحاد الفنانين التشكيليين بحمص أمس بمشاركة نحو عشرين فناناً ينتمون إلى أجيال ومدارس فنية متنوعة قدموا فيه أكثر من ثلاثين لوحة متنوعة بأساليبها وتقنياتها ومقاساتها، رغم الحضور الطاغي للواقعية التسجيلية التي سيطرت على جلّ اللوحات التي تناولت جوانب متعدّدة من أحياء المدينة القديمة بحيادية لا تكلف فيها، الغاية الأساسية منها إبراز جماليات فن العمارة القديمة وعلاقة قاطنيها الحميمة بها باستثناء لوحات قليلة آثر مبدعوها الإبحار بعيداً في الحالة الانطباعية والتعبيرية، ولاسيما في لوحة يوسف محمد التي يجسّد فيها بألوان نارية حالة الدمار التي تعرضت لها المدينة وتمسك أهلها بها من خلال الارتقاء باللوحة إلى الحالة الدرامية، يشي بها حضور الإنسان المترقّب في ظل خيمة، أو داخل كوخ صغير على مدخل الحي القديم ليقول: أنا هنا باقٍ ولن أتخلى عن بيتي وحارتي وموطني.
الكثير من البيوت والأزقة ودور العبادة التي تضمّها المدينة القديمة ذات الحجارة السود حضرت في المعرض الذي يتنافس فيه الفنانون في مهارة إبراز جماليات المكان واختيار السمات الفنية الأكثر قدرة على تحفيز ذاكرة المتلقي وإثارة المشاعر الوجودية لديه.
شارك في المعرض الفنانون: أميل فرحة، حسين أسد، ميساء علي، محمد طيب حمام، محبة ليون، حسام ياغي، عبد الفتاح عيد، رانية الألفي، عدنان محمد، كارمن شقيرة، فريد البوز، مازن منصور، شذى عبد النور، ناظم صالح، عيسى رستم، أحمد رحال، رزان الأزهري، إبراهيم سلامة، يوسف محمد.
أعقب افتتاح المعرض ندوة من وحي الموضوع حملت عنوان “حمص القديمة في الذاكرة” تحدث فيها كلّ من المهندسة المعمارية ماجدة حنا، والمهندس جورج رباحية عن تاريخ المدينة الذي يعود إلى عام ٢٥٠٠ قبل الميلاد، ضمن سرد تاريخي شمل تعريفاً بكل معالمها وأسوارها وأبوابها التي لم يبقَ منها سوى حجارة قليلة من باب واحد، وقلعتها المتربعة على رابية طبيعية في الجهة الجنوبية الغربية للمدينة.