بين ترامب وبايدن .. لايزال النفط السوري منهوباً
البعث الأسبوعية- سنان حسن:
في نهاية شهر أيار من العام الجاري نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مصدر مطلع أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أنهى عمل شركة “Delta crescent Energy” للنفط الأمريكية في سورية، التي كان سلفه، دونالد ترامب، قد وافق عليها. وعلى الرغم من القرار الأمريكي إلا أن عمليات سرقة النفط السوري لا تزال مستمرة، حيث لا يكاد يمر يوم دون الحديث عن قيام الاحتلال ومرتزقته بإخراج قوافل تضم مئات الصهاريج المحملة بالنفط المسروق إلى العراق، فهل عادت واشنطن عن قرارها بمنع الشركة من العمل في سورية، وما علاقة هذا الأمر ببقاء قواتها في سورية أو بمغادرتها، وماذا عن ميليشيا قسد ومصيرها بعد استعادة الحكومة السيطرة على حقولها النفطية؟.
النفط مقابل الحماية
سعى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال وجوده في سدة السلطة إلى تكريس مبدأ في كيفية تعامل واشنطن مع حلفائها وخصومها على السواء وهو “الدفع مقابل الحماية” وقد قالها علناً: “ليس علينا الدفاع عن الحدود بين تركيا وسورية، ولكن ما فعلناه نحن هو الاحتفاظ بالنفط”، مضيفاً: “سنقوم بتوزيع النفط، وسنساعد الأكراد وأشخاصاً آخرين، كما سنساعد أنفسنا إذا كان ذلك مسموحاً”، وبالتالي حماية ميليشيا قسد الانفصالية لم تكن لتخرج عما يريده الرئيس ترامب، ولذلك كسر كل القوانين الأمريكية؟! التي سطرتها إدارته لمعاقبة دمشق وسمح لشركة دلتا إنرجي المملوكة لأحد سفراء واشنطن السابقين في الدنمارك ويعاونه فيها ضباط سابقون في مجموعة دلتا الأمريكية الذائعة الصيت، بأن تعمل بعيداً عن العقوبات المسلطة على كل شركة تعمل في سورية عبر منحها عفواً واستثناء للعمل، حيث أبرمت هذه الشركة اتفاقاً غير مسبوق مع ميليشيا انفصالية لاستثمار النفط، ولكن على الرغم من وجود اتفاق إلا أن أحداً لم يكشف ماهيته وما هي النسب التي تحصل عليها قسد والتي تحصل عليها الشركة، المهم أن وتيرة سرقة النفط السوري ازدادت بكثافة وباتت التقارير الصحفية تتحدّث عن خروج صهاريج تصل أحياناً إلى 300 صهريج في الدفعة إلى العراق، والتي للمصادفة تباع لشركات تقوم بإيصالها إلى ميناء حيفا في فلسطين المحتلة، ولكن الأمر المحيّر في كل ذلك هل الجيش الأمريكي بالفعل بحاجة إلى أموال النفط السوري المسروق؟.
مافيات البنتاغون
تقول تقارير صحفية في واشنطن: إن القيادة الأمريكية الوسطى التي تشرف على القوات الأمريكية الموجودة في سورية تستخدم الأموال في تطوير القواعد غير الشرعية التي تقيمها في المناطق التي تسيطر عليها، وتعمل على صرف جزء منها على المتعاونين معها، ولكن هذه التقارير شكّكت في هذه الروايات إذ إن القوات الأمريكية الموجودة في سورية وغيرها من المناطق تحظى بميزانية مستقلة من البنتاغون، إذاً إلى أين تذهب الأموال المحصّلة من السرقة؟.
وحسب تقارير صحفية مستقلة فإن ضباطاً بارزين في قيادة العمليات المركزية الموجودة في الدوحة يقومون بيبع النفط السوري المسروق لحساب تكتلات ضمن الجيش الأمريكي نفسه، حيث تؤكد هذه التقارير أن هؤلاء الضباط المتنفذين كان لهم اليد الطولى في تغيير التقارير الخاصة بالانسحاب من سورية بعد قرار ترامب الانسحاب، ما ادى إلى عدول الرئيس عن قراره والإبقاء على 900 جندي لحراسة آبار النفط.
مصالح ضيّقة
ومن جهة أخرى استخدمت ميليشيا قسد الانفصالية الأموال التي تحصل عليها لتعزيز نفوذها وسيطرتها في المنطقة، عبر شراء الذمم ودفع مرتبات للمرتزقة المنضوين في ميليشياتها، كما كشفت تقارير صحفية أمريكية قبيل الانتخابات الرئاسية أن ما يسمّى مجلس سوريا الديمقراطية وقع اتفاقاً مع مجموعة ضغط أمريكية لتمويل حملة الرئيس بايدن بنحو عشرين مليون دولار، وذلك في محاولة لكسب ود بايدن وإدارته الديمقراطية في حال وصولها إلى البيت الأبيض، وبالتالي فإن أموال النفط المنهوبة استخدمت لعلاقات شخصية لمتزعمي ميليشيا قسد ومصالحهم الضيقة، وقد بدا واضحاً خلال الفترة الماضية مدى تشبّث هذه المجموعات عند أي مفاوضات مع الحكومة السورية بإدارة حقول النفط حصراً، وعدم القبول بأن تكون تحت إدارة وزارة النفط السورية.
إحصائيات وأرقام
أما عن النفط المسروق، فقد ذكرت تقارير صادرة عن المنظمات والمؤسسات الدولية
ومنها موقع “أويل برايسز” (المتخصص في أخبار النفط والطاقة ومقره بريطانيا)، أن إجمالي الاحتياطي النفطي في سورية يقدّر بنحو 2.5 مليار برميل، وما لا يقل عن 75% من هذه الاحتياطيات موجود في الحقول المحيطة بمحافظة دير الزور شرقي سورية، حيث تقوم ميليشيا قسد يومياً باستخراج ما بين 150 إلى 170 ألف برميل من حوالي 400 بئر نفط تسيطر عليها في الحقول الممتدة من دير الزور إلى أقصى محافظة الحسكة في منطقة المالكية، التي تشهد عمليات إخراج النفط المسروق عبر معابرها غير الشرعية إلى شمال العراق، حيث بيّنت معلومات من منطقة الشمال السوري أن قسد تحصل شهرياً على ما يقارب 10 ملايين دولار شهريا ًكعوائد من النفط، بينما يذهب الباقي إلى الشركة الأمريكية وعصابات الجيش الأمريكي ويقدّر بحوالي 30 مليون دولار شهرياً.
القمح أيضاً
في ضوء عملية السرقة الممنهجة للنفط السوري، كان لافتاً بروز عملية سرقة القمح الذي تقوم ميليشيا قسد بالاستيلاء عليه من الفلاحين السوريين بالقوة في تلك المنطقة عبر منعهم من تصديره إلى مؤسسة الحبوب السورية، حيث بيّنت مصادر أن مسلحي ميليشيا قسد يقومون بعمليات بيع القمح وفق التسعيرة الدولية لبيع القمح، وسجل الطن الواحد منها (658.50 دولاراً أمريكياً)، حيث وصل سعر كيلوغرام القمح الواحد إلى أكثر من ألفي ل.س. وتؤكد التقارير الواردة من الجزيرة السورية أن عمليات السرقة وإخراج القمح والنفط تتم بعملية واحدة، فمع صهاريج النفط يتم إخراج الشاحنات المحملة بالقمح المسروق والوجهة دائماً شمال العراق.
جريمة حرب
تعدّ إدارة واستخراج النفط التي تقوم بها القوات الأمريكية في سورية عملية نهب موصوفة، وهي أفعال طالما اعتُبرت غير قانونية بموجب القانون الدولي وقواعد الحرب، إذ تحظر اتفاقية جنيف، التي وقّعت عليها الولايات المتحدة، صراحة نهب الممتلكات أثناء النزاع، وتعرّفها بأنها جريمة حرب، حتى برأي النخب والساسة الأمريكيين، فهي “ترسل كذلك رسالة إلى المنطقة بأسرها والعالم بأن أمريكا تريد سرقة النفط”، والأمر مستمر وبوتيرة عالية مع تواتر معلومات تفيد بأن الجيش الأمريكي يريد توسيع قواعده غير الشرعية في حقلي كونيكو والعمر بريف دير الزور الشرقي، ما يعني أن الاحتلال مستمر في سرقة الموارد السورية، وهذا يجعل من مقاومة المحتل وضرب أدواته في المنطقة خياراً لا بدّ منه لاستعادة الدولة السورية سيادتها على أراضيها ومقدّراتها وليس انتظار أمر تنفيذي من بايدن وإدارته، لأن الخطوة الأولى في إسقاط الحصار ومفاعيل قيصر وغيره من الإجراءات الأحادية القسرية بحق سورية تمر عبر استعادة خيرات الجزيرة السورية.