مجلة البعث الأسبوعية

اليمن.. قوى العدوان ترفض الاعتراف بالهزيمة

البعث الأسبوعية- طلال ياسر الزعبي:

لا يزال الوضع في اليمن يتحكم في جميع الملفات العالقة في المنطقة والعالم، فالحرب لم تعُد مجرّد قضية بين قوى العدوان وعلى رأسها مملكة آل سعود وبين الشعب اليمني المظلوم، بل إنها تجاوزت كل الأبعاد المحتملة للأسباب التي تذرّعت بها قوى العدوان لشنّ هذه الحرب الظالمة.

والآن بعد الانتصارات المتلاحقة التي حققها الجيش اليمني واللجان الشعبية على قوى العدوان في مناطق رئيسية تسيطر عليها قوى العدوان بالتعاون مع القاعدة و”داعش” وحزب الإصلاح الإخواني الذي قدّر له أن يكون حليفاً للسعودية في اليمن وعدوّاً لها خارجه، تحاول مملكة آل سعود خلط الأوراق في المنطقة في محاولة لابتزاز محور المقاومة في المنطقة، ظنّاً منها أن أيّاً من هذه القوى قادر على الضغط على الشعب اليمني لمنعه من إنجاز الانتصار على قوى العدوان وتحقيق النصر الكامل على عدوّه وإجباره على الانسحاب من أرضه وفك الحصار الاقتصادي الذي تمارسه عليه والذي أدّى إلى الآن إلى قتل مئات اليمنيين ونشر الأوبئة والأمراض في بلد لا تنقصه الإمكانات لتوفير رغد العيش لشعبه.

فالقضية التي حاولت قوى العدوان فترة طويلة من الزمن تصويرها على أنها مجرّد عمل لإعادة الشرعية إلى حكم بلادٍ لا تملك فيها الشرعية مطلقاً، أجبرت قوى العدوان نفسها مؤخراً على الاعتراف بأنها لا تنحصر مطلقاً في هذا الإطار الضيّق، وكانت هذه القوى تعتقد أن اليمن لقمة سائغة لها تستطيع من خلالها فرض إرادتها على جميع الملفات الكبرى في المنطقة، وخاصة ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي تقوده دول الخليج في المنطقة وما يُعرف بدول الاتفاق الإبراهيمي الذي يُراد من خلاله تصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حق العودة، والأهم جعل الكيان الصهيوني جسداً طبيعياً في المنطقة، وهو الهدف الذي تعمل الحركة الصهيونية على أجل الوصول إليه.

ولكن قوى العدوان ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني تدرك جيّداً أن خسارة هذا الملف تعني خسارة كثير من الملفات التي تفاوض عليها في المنطقة والعالم، إذ إن هذا الملف كان يعوّل عليه كثيراً في مضايقة الصين من خلال السيطرة على أهم الممرات البحرية في العالم التي تعتمد عليها هذه الدولة في نحو نصف تجارتها، كما أنه أيضاً يمكن أن يمثل عائقاً بقدر أقل أمام روسيا، ولكن المتفق عليه أن هذا الممر هو العقدة الرئيسية للتجارة بين الشرق والغرب، وأنه أيضاً يوفّر الكثير من النفقات الزائدة التي يمكن أن تدفعها هذه الدول إذا ما قرّرت استخدام رأس الرجاء الصالح في الجنوب الإفريقي.

كل ذلك دفع كثيراً من الدول الكبرى في هذا العالم إلى البحث عن حلول أخرى لطريق التجارة التقليدي عبر باب المندب، وكان آخر اقتراح إنشاء قناة أخرى للتجارة بين الصين وروسيا ومنها إلى أوروبا في المحيط المتجمّد الشمالي الذي مهّد الانهيار الكبير لكتله الجليدية لاستخدامه بديلاً طبيعياً لمضيق باب المندب وقناة السويس، الأمر الذي فرّغ الهدف الأمريكي من السيطرة على باب المندب من مضمونه، وجعلها تفكر جدّياً في عرقلة هذا الخيار عبر الشراكة مع الدولتين في المحيط المتجمد الشمالي.

وفي هذا السياق أشار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين سابقاً، إلى أنه من المقرر نقل 80 مليون طن من البضائع عبر ممر الملاحة الشمالي، الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ عبر المحيط المتجمد الشمالي، مشيراً إلى أنه يجري بناء أسطول حديث من كاسحات الجليد لتأمين الملاحة على مدار العام عبر هذا الممر.

وقال: “ليس من قبيل المصادفة أن العديد من الدول تريد المجيء إلى هنا والعمل واستخدام هذا الممر”، مؤكداً أن هذا الممر يوفر كثيراً على المستهلك النهائي للسلع.

وتخطط موسكو لاستخدام الممر لتصدير النفط والغاز إلى الأسواق الخارجية، وخاصة أن معظمه بات خالياً من الجليد إلى حد كبير. ومن المتوقع أن يصبح ممر الملاحة الشمالي، طريقاً تجارياً رئيسياً للبضائع المشحونة بين أوروبا وآسيا في المستقبل.

وإذا عدنا إلى ملف العدوان على اليمن بشكل مباشر، نجد أن السيطرة على الأرض بدأت تخرج تدريجياً من قبضة قوى العدوان، الأمر الذي دفعها إلى إخلاء بعض المناطق الاستراتيجية التي تسيطر عليها لمصلحة الوجود البريطاني في الساحل الجنوبي لليمن، ظناً منها أن هذا الوجود يمكن أن يشكّل مانعاً أمام الجيش واللجان الشعبية لتحريرها، كما أن الجيش اليمني بات على وشك السيطرة الكاملة على محافظة مأرب الغنية بالنفط الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام استكمال تحرير سائر الأراضي اليمنية المحتلة وخاصة إقليم حضرموت، والذي عملت قوى العدوان على توطين المجموعات الإرهابية به من “داعش” والقاعدة في محاولة لجعله معسكراً كبيراً لهذه الجماعات مشابهاً للنموذج الذي كان قائماً في أفغانستان.

والحال أن استكمال تحرير محافظة مأرب سيؤدّي إلى سيطرة الجيش واللجان الشعبية على خزان النفط والغاز في اليمن، وبالتالي تغطية احتياجات الشعب اليمني من النفط والغاز وسحبهما من بازار الابتزاز الذي تمارسه قوى العدوان بالتواطؤ مع الأمم المتحدة التي لم تبذل أيّ جهد في سبيل تأمين حاجات الشعب اليمني من المحروقات والغذاء والدواء، بل إن المبعوث الأممي إلى اليمن لا يظهر تدخّله في الشأن اليمني إلا عندما تكون كفّة المعارك راجحة لمصلحة الجيش اليمني في محاولة للتقليل من خسائر قوى العدوان على الأرض.

ورغم الدعم الكبير الذي تقدّمه قوى العدوان لحزب الإصلاح الإخواني للاستمرار في الحرب في مأرب، إلا أن خريطة السيطرة على الأرض تتبدّل بشكل يومي لمصلحة الجيش واللجان الشعبية، وخاصة أن كثيراً من زعماء القبائل في المحافظة سلموا مناطقهم للجيش حقناً لدماء الشعب، غير أن الحزب الإخواني لا يزال يراهن على دعم قوى العدوان التي لا تزال عاجزة حتى الآن عن تغيير خريطة السيطرة على الأرض رغم الاستخدام المكثف للطيران الحربي في هذه المعارك، ولا يزال إلى الآن يرفض الدعوات المتكرّرة من الجيش واللجان الشعبية لحقن الدماء وتسليم المناطق دون قتال.

والآن وبعد دخول العدوان على اليمن عامه الثامن، لا تزال قوى العدوان مجتمعة عاجزة عن تحقيق أيّ هدف من الأهداف التي وضعتها عنواناً لهذا العدوان، ولم تفلح جميع المسميات التي استخدمتها هذه القوى في كسر إرادة الشعب اليمني وإجباره على الاعتراف بخسارة هذه الحرب التي فُرضت عليه، بل إن الشعب اليمني الآن مصمّم أكثر من أيّ وقت على هزيمة هذه القوى وإجبارها على الاعتراف بالهزيمة في هذه الحرب.

ولذلك كلّه تتخبّط قوى العدوان حالياً في سبيل استجلاب تدخّل دولي ينهي هذه الحرب بأقل الخسائر، محاولة الإيحاء بأنها هي التي تجنح إلى السلم والطرف الآخر هو الذي يصرّ على الاستمرار في هذا الحرب، وتعمل في سبيل ذلك على ابتزاز قوى المقاومة في سائر الجبهات للتفاوض معها على حساب الشعب اليمني لفرض الاستسلام عليه، غير أن هذه القوى تؤكد في المحصلة أنها لا تستطيع التدخل في خيارات الشعب اليمني الذي يصدّ العدوان الجائر المفروض عليه ويعمل على تحرير أراضيه المحتلة من قوى العدوان وانتزاع سيادته على أرضه ومقدّراته دون تدخّل خارجي.