مجلة البعث الأسبوعية

مزارعو الحمضيات يشتكون من تدني الأسعار قياساً بالتكاليف المرهقة!

البعث الأسبوعية- ميس بركات

طويلة  ترقب خلالها مزارعو الحمضيات بكثير من التخوّف وقليل من الأمل بأن يكون قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتسعير الحمضيات لهذا العام أفضل من الأعوام السابقة التي اعتبرها المزارعون سنوات عجاف اضطر الكثير فيها لقطع أشجارهم، أو تركها على الأشجار كطعام للمواشي بدلاً من صرف المزيد من التكاليف لقطافها وتصنيفها ونقلها وصولاً إلى الخسائر والاستدانة لتغطية التكاليف، ليأتي قرار وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتحديد السعر الذي وصفوه بالتشجيعي والمحقق للربح والوفر للمزارع حاملاً في طياته الكثير  من الإجحاف والضرر على الفلاحين ممن لا زالوا يعقدون الأمل في كل عام على تحسين واقعهم وإنصافهم في تحديد السعر بعد الأخذ بعين الاعتبار التكاليف المرتفعة والمستلزمات غير المؤمنّة لهم.

لم يأت كما المُشتهى!

وعلى الرغم من مناشدة الفلاحين خلال أشهر الصيف للجهات المسؤولة عن تسعير وتسويق الحمضيات، بغية الأخذ بعين الاعتبار قلة الإنتاج وارتفاع التكاليف،إلّا أن الواقع لم يأت كما المُشتهى، بل على العكس تم تحديد سعر الكيلو غرام الواحد لصنف البرتقال للفلاح بـ ٤٨٠ ليرة سورية و٥١٦ للجملة وللمستهلك بـ ٦٢٥ ليرة، والليمون الحامض بـ٦٤٠ ليرة للفلاح و٦٨٨ جملة و٨٢٥ للمستهلك، و٥٢٠ ليرة لصنفي المندلين واليوسفي و٥٩٥ جملة و٦٧٠ للمستهلك و٣٩٣ليرة لصنف الكريفون للفلاح و٤٢٢ بالجملة وللمستهلك بـ ٥١٠ ليرة، الأمر الذي قوبل بالاستهجان من الفلاحين ممن وجدوا الكثير من الغبن في هذا القرار وتسعير محصولهم بأقل من “الفجل” الذي وصل سعره إلى لـ 1000 ليرة في الأسواق، متسائلين عن الخطط والورش التي تقام في كل عام لتسويق الحمضيات وإنشاء معمل عصائر وغيرها من الخطط الإسعافية التي تذهب عند تحديد السعر أدراج الرياح، وكيفية وصول سعر الحمضيات في صالات السورية للتجارة إلى الألف ليرة في حين لم تُحدد سعر الكيلو عند باب المزرعة بأكثر من 500 ليرة، فهل يُعقل أن تكون أجور النقل والتعبئة وغيرها أكثر من كلفة الإنتاج، ولماذا يُؤخذ بعين الاعتبار هامش ربح الجهات المسؤولة عن العملية الإنتاجية والتسويقية باستثناء الفلاح الذي يُصار في كل عام إلى تكبيده خسائر لم يعد تحملّها.

 

انخفاض الإنتاج

ولم تقتصر معاناة مزارعو الحمضيات على تخفيض السعر وعدم النجاح في تسويق المادة محلياً أو خارجياً، والفشل المتكرر في إنشاء معمل العصائر الذي استمر لسنوات بين “الأخذ والرد” لينتهي المطاف به  بتصريح وزير الصناعة الأخير بعدم وجود جدوى من إنشائه طالما أن حمضياتنا لا تصلح إلّا للمائدة،  بل تفاقمت المعاناة مع كل عام خاصّة مع عدم توافر مادتي الكهرباء والمازوت، و نقص مياه الري وارتفاع تكاليف الإنتاج المختلفة مع انخفاض إنتاج الحمضيات هذا العام  بنسبة 27.3 في المئة بالمقارنة مع المتوسط العام للسنوات الخمس الماضية، خاصّة مع وجود الكثير من المزارع المُهملة من قبل أصحابها لأسباب شخصية أبرزها نقص اليد العاملة في الأراضي الزراعية الساحلية، وهجرة أصحابها خارج البلد، أو الامتناع عن زراعتها وتحطيبها، لنصل إلى إنتاج منخفض عاماً تلو الآخر.

عند باب المزرعة!

هذه المعاناة “المعضلة” لم تنكرها أو تُخفيها مديرية الحمضيات، حيث أكد نشوان بركات مدير مكتب الحمضيات في الوزارة أن متوسط الإنتاج من الحمضيات لهذا العام وصل إلى حوالي 777 ألف طن في اللاذقية وطرطوس، في حين يقدّر متوسط الإنتاج في البلاد بشكل عام مليون ونص طن، مع العلم أن الإنتاج المحلي للحمضيات ورغم انخفاضه هذا العام يغطي حاجة السوق المحلية، مشيراً إلى أن الانخفاض في الإنتاج يعود لانحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة أثناء مرحلتي الإزهار والعقد، وأكد بركات أن وزارة الزراعة ينتهي عملها عند باب المزرعة وتنحصر مسؤوليتها على الإنتاج أما التسويق فيكون بالتشارك بين وزارتي الاقتصاد والتجارة الداخلية وحماية المستهلك التي أكدت عند وضعها سعر الحمضيات بأن التسعير يتم بناء على تكاليف إنتاج المزارع  وعلى ميزانية الوزارة لتسويق المحصول من قبلها، حيث يتم العمل وفق الإمكانيات الموجودة حالياً وقد تم الأخذ بعين الاعتبار تحقيق الربح والوفر للفلاح هذا العام.

 القطبة المخفية!

أهل الكار قدموا شرحاً مستفيضاً عن القطبة المخفية في تسويق الحمضيات، وعدم “اختراع الذرة” أو صعوبة الحلول لإنقاذ تسويق محصول الحمضيات، مؤكدين أن الحلول والدراسات والخطط موضوعة منذ سنوات على طاولة الوزارة، لكنّ أحداً لم يأخذ بها، حيث تحدث مهند الأصفر “خبير زراعي ” عن مهمة الحكومة اليوم بتسهيل عمل المستثمرين لإنشاء معمل عصائر لا أن تسعى لإنشاء معمل  جرى تدشينه عدة مرات لكنه لا زال خاوياً حتى الآن، ومؤكداً وجود فائض للعصير في كل عام  رغم انخفاض الإنتاج، لكن مع وجود هيمنة على قرار إنشاء المعمل وعدم اتخاذ خطوات جريئة وجديّة لإيقاف استيراد المكثفات من البرازيل بآلاف الدولارات ووضعها في برميل 500 متر مكعب من الماء ثم طرحها في الأسواق بـ 800 ليرة، سيبقى الوضع يراوح مكانه لأعوام قادمة، ونوّه الأصفر إلى أن تقديرات الإنتاج هذا العام وصلت لحدود الـ800 ألف طن بالتالي يجب أن تتقسم إلى ثلاث أقسام بين المحلي الذي يقدّر استهلاكه بـ 300 -400 ألف طن والتصدير الذي يجب أن يكون بحدود الـ300 ألف طن والعصائر والتي تصل إلى 100 ألف طن، لكنّ ما يحصل هو ذهاب الإنتاج المحلي إلى صالح السورية للتجارة والتي يجب أن تستجرّه بسعر مرتفع تشجيعاً للمصدرين للشراء بسعر عال وهو مالا يحصل بل على العكس تقوم بشرائه بأقل من التكلفة لعدم وجود ميزانية للشراء بأغلى من ذلك، لذا لا بد من خلق رديف للتسويق المحلي من خلال تنشيط اتحاد الفلاحين عبر الجمعيات الفلاحية واتحاد غرف الزراعة للتعاون بينهم  بتسويق الإنتاج المحلي، أما جهة التصدير فتحتاج للدعم بمبلغ 1000دولار لكل براد الأمر الذي سيشكل عائد كبير لاحقاً يصل إلى حوالي 4 مليون دولار والذي سيؤدي للنهوض بقطاع الحمضيات في حال تم العمل بهذا الإطار، أما بالنسبة للعصائر يجب التوجه إلى تصنيع المكثفات التي تصل إلى 3000طن هذا العام في حال تم استثمارها، وهذا ما يحتاج إلى قرار إيقاف استيراد مكثفات العصائر من الحمضيات السورية، مع السماح باستيراد مكثفات أفكادو وكيوي ومنغا للقطاع الخاص، ولفت الخبير الزراعي إلى ضرورة وجود ناقلة بحيرة مبردة باتجاه الدول الصديقة ومن الممكن استئجارها خلال موسم الحمضيات في حال تم توفير كميات مناسبة بالتعاون بين المصدرين.

اضطراب العملية الإنتاجية

وتحدث سليم الداوود “دكتور في الزراعة” عن  طريقة وضع الحكومة للتكاليف من خلال وضع هامش ربح مع الأرض والسماد والرش بالأدوية وأجور القطاف وقيمة العبوات، لافتاً إلى وجود الكثير من الظلم الذي يقع على الفلاحين في كل عام سواء خلال موسم الحمضيات أو التفاح أو بقية المواسم الإستراتيجية، ما يؤكد ضرورة خلق عقود تصديرية دائمة ، إضافة إلى ضرورة وجود مراكز توضيب للحمضيات وفرز الأنواع ذات الجودة العالية للتصدير والأنواع الجيدة للاستهلاك المحلي، إضافة إلى الجزء الأهم والذي يشكل 20-25% من جميع الأصناف للعصائر، لاسيّما وأن فكرة المعمل قائمة منذ زمن وتكمن أهمية إنشائه بالحفاظ على توازن السوق وتحقيق رافد مهم للقطع الأجنبي، بدلاً من إتلاف كميات ليست بالقليلة أو تركها غذاء للمواشي مثلما حصل لعدّة أعوام سابقة، وأكد الداوود وجود نقاط ضعف في العملية التسويقية بشكل عام أهمها اضطراب العملية الإنتاجية مما يؤدي لفوائض إنتاج في الكثير من الحالات، إضافة إلى ارتفاع نسب الفاقد والهدر أثناء عملية الجمع والجني والفرز والتوضيب لغياب تعليمات فنية تحكم هذه النقاط ، ناهيك عن غياب المعلومات الاحصائية حول حجم الطلب في الأسواق وحجم الطلب الخارجي مما يسهم في تزايد الاضطرابات في منحنيات الإنتاج والتسويق.

بالمختصر، هي معضلة كل عام، ومع أن الأسباب معروفة لكن الحلول معدومة، وبالنتيجة عشرات المزارعين، بل المئات وأكثر يفكرون جدياً بهجر الزراعة طالما أصبح كيلو الفجل أربح من كيلو البرتقال!.