حان الوقت للتخلي عن دراما الحرب ضد الصين
هناء شروف
عندما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً في الأمم المتحدة أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة، لا بد أن العديد من الدول شعرت بالارتياح، ولكن مع استمرار ترديد كلماته تحركت الولايات المتحدة لتجميع “أوكوس” ، وترقية الرباعية، وتعزيز منظمة العيون الخمس.
في الحرب الباردة كان المعسكران بالكاد يمتلكان أو يحتاجان إلى أي تجارة مع بعضهما البعض، وكانا يقاتلان كعدو لدود لبعضهما البعض. هذا بالتأكيد ليس هو الحال اليوم، لأنه في عالم اليوم “المعولم” ليس من المنطقي أن تتمسك الولايات المتحدة بكتيب قواعد اللعبة المصمم على غرار الحرب الباردة وعلى وجه الخصوص أن ترسم الصين كخصم للأسباب الآتية:
أولاً: الصين والولايات المتحدة مجتمعان لا ينفصلان لهما مصالح مشتركة. وعلى الرغم من المحاولات الأمريكية لفصل وتعطيل سلاسل التوريد وتأثير جائحة كوفيد 19 لا تزال التجارة ثنائية الاتجاه تتوسع بنسبة 8.8٪ في عام 2020. وفي الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام ارتفعت التجارة الثنائية إلى 470 مليار دولار بزيادة بنسبة 36.6 في المائة على أساس سنوي.
ثانياً: إن تنمية الصين لا تحل محل الدول الأخرى، بل تهدف إلى تحسين رفاهية شعبها، وإن ما يسعى إليه الشعب الصيني هو حياة سلمية ومزدهرة وليس هيمنة عالمية، ومن جانب الحكومة يتم وضع الموارد في الغالب في التنمية ويتم تنفيذ السياسات لرفع الأمة وتحسين حياة كل صيني.
ثالثاً: تدعم الصين التعددية الحقيقية على مدى السنوات السبعين الماضية، حتى باتت تتمتع بسجل حافل في تكريم كلمتها. وهي لم تشعل حرباً ولم تأخذ شبراً واحداً من الأراضي الأجنبية، كما أنها الدولة الكبرى الوحيدة التي أدخلت التنمية السلمية في دستورها. أما في استجابتها لفيروس كورونا قدمت الصين أكثر من 1.6 مليار جرعة من اللقاحات للعالم. وفي إطار مبادرة تعليق خدمة الديون لمجموعة العشرين لأفقر الدول لمواجهة الوباء أجلت الصين سداد المزيد من القروض مقارنة بأعضاء مجموعة العشرين الآخرين. وفي الآونة الأخيرة استضافت الصين مؤتمر الأطراف الخامس عشر بشأن التنوع البيولوجي، ومؤتمر الأمم المتحدة العالمي للنقل المستدام من أجل تسهيل الانتقال العالمي نحو التنمية الخضراء ومنخفضة الكربون. وهي تلعب أيضاً دوراً في قضايا مهمة مثل أفغانستان وإيران وشبه الجزيرة الكورية من أجل حماية السلام والاستقرار الإقليميين.
يقال إن الولايات المتحدة بحاجة إلى نوع من الأعداء لتعبئة الأمة، لكن الصين ليست “العدو”. وباعتبارهما دولتين رئيسيتين في العالم، ينبغي على الصين والولايات المتحدة أن تساعدا بعضهما البعض بدلاً من المحاربة، لأنه على الصعيدين المحلي والدولي يمكن تحقيق الكثير من خلال عودة العلاقات الصينية الأمريكية إلى المسار الصحيح.
تتعامل إدارة بايدن مع العديد من الأولويات المحلية مثل كوفيد 19، والانتعاش الاقتصادي، والبنية التحتية، وهذه هي المجالات التي يمكن أن يكون فيها البلدان زميلان وشريكان، ويمكن أن يكون التعاون الثنائي مهماً للغاية. لذلك إن الاستفادة من التكامل بدلاً من إضاعة الوقت والموارد في ما يسمى بالمعركة الأيديولوجية سيجلب الولايات المتحدة إلى أهدافها المقصودة في وقت مبكر.
بالنسبة للعديد من القضايا العالمية، لا يمكن أن يكون هناك حل عالمي بدون درجة معينة من التعاون الصيني الأمريكي. وبدلاً من تسييس تتبع الأصول وتسليحها فإن التعاون من أجل الوصول العالمي إلى اللقاحات من شأنه أن ينهي هذا الوباء بشكل أفضل وأسرع. أما فيما يتعلق بتغير المناخ من المنطقي أن ندرك ما فعلته الصين وما تفعله الآن، لأنه لن تتحقق أهدافها المتعلقة بانبعاثات الكربون وحياد الكربون بسهولة وسيستلزم تحقيقها بذل جهود مضنية. لكن بصرف النظر عن إعلانها أنها لن تبني مشاريع طاقة جديدة تعمل بالفحم في الخارج، فقد حشدت الصين بالفعل البلاد بأكملها للعمل نحو أهداف “الكربون المزدوج”.
وفي مواجهة جائحة عالمية، ما تحتاجه البشرية هو مجتمع مصير مشترك وليس البقاء للأصلح، وأي نوع من العالم نتركه للأجيال القادمة لا يتوقف على تطور الأسلحة، ولكن على سلامة النظام البيئي وليس على الحروب والصراعات ولكن على السلام والوئام.