إحياء المناسبات ليس ترفأ فكرياً – خيار الرسالتين
د. خلف المفتاح
لكل شعب او جماعة سياسية أياً كانت تاريخ وبطولات ورموز تاريخية تشكل مادة دسمة في سرديتها التاريخية ومخيالها الجمعي، وهذا يمنح تلك الجماعة شعوراً بالفخر والاعتزاز والسمو. وتأخذ هذه المسألة أهمية خاصة عندما تتعرض تلك الجماعة لاستهداف ممنهج لجهة تجريف تاريخها وهويتها وانتمائها عبر حملة تشويه منظمة تروم النيل من رموزها التاريخية ومناسباتها الوطنية والقومية، ما يعني بالمحصلة محو متدرج للذاكرة الجماعية واعادة بنائها بما يخدم مصالح تلك القوى التي تستهدفها وبما ينسجم مع رؤيتها المشوِهة لتلك الرموز والعناوين الوطنية، ما يعني بالمحصلة نسف وحرق عامل تحشيد معنوي ترى فيه الجماعة أعمدة بنائها التاريخي وهويتها الجامعة.
ولا شك أن الشريحة الأساسية المستهدفة في ذلك هي جمهور الشباب لجهة أنها الحامل الأساسي لثقافة ووعي الجيل الجديد، وما يرتبه ذلك من مواقف وسلوك ينسجم مع طبيعة وفلسفة ذلك الوعي، وعناصر بنائه والخطورة، والحال هذه تكمن في أن العالم اصبح يعيش اليوم ثقافة عصر ما بعد الحداثة بأدواتها التقانية (عصر الانترنيت والسوشل ميديا واليوتيوب وتويتر وفيسبوك وغيرها من أشكال التقانة). وهنا يصبح المحتوى الثقافي والمعرفي لتلك الوسائل هو المصدر والأساس في بناء وعي وثقافة ومعرفة واهتمامات وتصور ماضوي ومستقبلي لتلك الأجيال الشابة والصاعدة هو ما يحمَل ويظهر عبر وخلال تلك الوسائط، وبما ينسجم مع المحتوى الرقمي لتلك الوسائل التي هي بالتأكيد ليست محايدة وإنما من أكثر وسائط الغزو الثقافي والمعرفي تأثيراً في الاجيال الشابة في الألفية الثالثة والجيل الخامس من الحروب الناعمة.
إن فلسفة الوعي وتشكيله وفق كيفية ما تعتمد حسب احدث الدراسات التربوية والابستمولوجية على عناصر ومقومات أساسية في طليعتها الخطاب التربوي والثقافي والديني والسياسي والإعلامي فهي مدخلات أساسية في تشكيل وبناء الشخصية الوطنية وتعزيز حالة الانتماء لديها اضافة الى أنها في الوقت نفسه اساسية في بناء موقف عام من تاريخ الأمة والشعب والاعلاء من شأن الرموز التاريخية وصناعة صورة البطل في المخيال الجمعي، وكذلك صورة العدو، والعكس صحيح، أي إمكانية القيام بعملية تجريف ثقافي وهدم معنوي لكل الرموز الوطنية والقومية للشعب والأمة تحت عنوان مضلل، وهو إعادة كتابة وقراءة التاريخ بطريقة استنسابية انطلاقاً من مواقف ايديولوجية تعتمد على صناعة أبطال وهميين مستدعين من مخيلة مريضة وشعوبية حاقدة.
إن تنشيط الذاكرة الوطنية في كل ما تحمله من صور ورموز تراكمت تاريخيا، وشكلت سياجا حقيقيا لتحصين تاريخ الأمة مسألة غاية في الأهمية بل وضرورة تستدعي كل جهد صادق، وهي بهذا المعنى تدخل في سلم الواجبات والأولويات وليست ترفاً فكريا أو رحلة في أرشيف عفا عنه الزمن، فالتاريخ ليس كومة أحجار يعبث بها العابثون ويركبون فيها ما يرونه من صور او موقف رغبوي يدخل في حيز الأمنيات فثمة حقائق ووثائق وذاكرة حية لا تخطئها عين، وإذا كانت الأجيال المتلاحقة تستدعي خطاباً عصرياً وتتعامل مع عالم افتراضي يعتمد قوة وتأثير التقانة، فهذا يعتمد على الأدوات وامتلاكها ويبقى المحتوى والمضمون صناعة وطنية خالصة، وهذا هو دور المؤسسات المعنية فكرية ثقافية إعلامية حزبية وتربوية آخذاً في الاعتبار اهتمامات الجيل ورغباته ولغة خطابه وجاذبيتها ومصداقيتها وانسجامها مع السلوك العام لمصدر الخطاب وحامله.
إننا نتحدث عن جيل عمري وجيل فكري يستدعيان بالضرورة التأكيد على الثوابت الوطنية والهوية التاريخية وهذا لا يعني وجود قطيعة معرفية بين تلك الأجيال، فهي أشبه ما تكون بسباق التتابع، حيث يحمل الراية من هو الأكثر حركة وقوة وصولاً لبلوغ الهدف الكبير والنهائي، وهنا تتكرس وتتحق مقولة أطلقها السيد الرئيس بشار الأسد عند الحديث عما سمي في بداية ولايته حرس قديم وحرس جديد، فأشار الى الذهنية وطريقة التفكير وليس العمر الزمني تحت معادلة : اندفاع الشباب وخبرة الكهول.