التطبيع مع “إسرائيل” جوهر المشروع الأمريكي
د. رحيم الشمخي
كاتب عراقي
استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون و”إسرائيل” وبعض الأنظمة العربية، لعب دور كبير في تهيئة الظروف المناسبة للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وكان الهدف الأكبر أن تبقى “إسرائيل” هي من يعمل في محاولة التحكم بمصير العرب، وأن تبقى القوة الوحيدة في المنطقة.
لقد بدأت مؤامرة التطبيع باستخدام آلية الحصار الاقتصادي على الدول الرافضة للمشروع الشرق أوسطي، وشلّ حركة المقاومة الفلسطينية والعربية ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، فكان ما يُسمّى “الربيع العربي” خنجراً مسموماً في قلب الوطن العربي لتفتيت الشعوب العربية، وسلب هوية المواطن العربي، وخلق ثقافة جديدة ضد المواطنة العربية، ومحاولة التأثير في الفكر القومي العربي وعقول الشباب العربي والمنظمات الوطنية لخلق بيئة رخوة لا يستطيع المواطن العربي فيها مقاومة الحصار الاقتصادي المفروض عليه من قبل الدول الكبرى لإضعافه، ومن ثم تهيئة الظروف المناسبة لـ”إسرائيل” لفرض شروطها.
لم نكن يوماً لنشك في أن التطبيع بين بعض النظام الرسمي العربي (الرجعي) وكيان الاحتلال الإسرائيلي ماضٍ نحو مآلات خطيرة. التطبيع كما يستدل من السياق الذي نشأ منه اللفظ/ المصطلح، أو الرمز، يهدف فيما يهدف إلى تطبيع سياسي وعسكري واقتصادي وثقافي وحقوقي، بين هذه الأنظمة وكيان الاحتلال، بل وتعايش مع العدو، من دون أن يتخلى هذا العدو عن سياساته في التهويد والضمّ، وعليه ليس هناك -ولا يمكن أن تقوم- علاقات بين العرب وكيان الاحتلال، رغم كل مساعي التطبيع ذلك أن طبيعة التناقض التناحري، والعلاقة الصراعية بينهما محكومة بنسبة موازين القوى فما يطلق عليه اسم التطبيع مفروض بشروط “إسرائيل”.
إن المتتبع لمشروع الشرق الأوسط الكبير، لا شك يصل إلى جوهر المشكلة الحقيقية للصراع العربي- الصهيوني المستمر منذ عدة عقود تخللتها 6 حروب، وحرب استنزاف واحدة، وانتهت هذه الحروب بتوقيع اتفاقية الاستسلام في “كامب ديفيد”، لتأتي بعدها “أوسلو” ثم “وادي عربة” إضافة إلى اتفاقيات سرية أخرى، إلى أن حان وقت ما عُرف باتفاقات “أبراهام” وبذلك تكون الولايات المتحدة حقّقت جزءاً من أهدافها في رسم خريطة جديدة في منطقة الشرق الأوسط بعقد اتفاقيات جديدة مع دول عربية معينة، وشملت هذه الاتفاقيات مجالات الاقتصاد والسياحة والثقافة والعلمية وتحلية مياه البحر والأمن والطاقة والموانئ البحرية وإلغاء فيز الدخول.
لقد كان احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها والخراب الذي خلّفه العدوان الأمريكي- التركي الأردوغاني المتحالف مع الحركات التكفيرية على سورية أكبر عامل استراتيجي لإضعاف الأمة العربية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً، فالعراق وسورية عمق الأمة العربية القومي وجناحها الشرقي، بل البوابة الشرقية للوطن العربي، وقد اختارت الولايات المتحدة هذا العمق القومي لتضعف أكبر قوة عسكرية وهي الجيشان العربيان العراقي والسوري، وبذلك استطاعت “إسرائيل” أن تدخل من الباب وليس من الشباك وفي وسط النهار إلى بعض العالم العربي.
لا شك أن المنطقة العربية تخضع منذ مدة ليست بالقصيرة لهندسة سياسة الفك وإعادة التركيب لكي تخضع بالكامل لشروط ومتطلبات “إسرائيل”، وإستراتيجية الإدارات الأمريكية التي تريد فرض ما يُسمّى “صفقة القرن” على العرب، وإنشاء نظام إقليمي شرق أوسطي جديد يلغي وجود الدول الوطنية العربية، ويحتل فيه الكيان الصهيوني “مركز القيادة”.
إنَّ مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني يتطلّب من الشعوب العربية أفراداً وأحزاباً وجماعات ومنظمات، التمسّك بخيار مقاومة المشروع الإمبريالي الأمريكي- الصهيوني، وتحقيق التكامل الاقتصادي العربي واستمرار المقاطعة العربية للكيان الصهيوني، ومقاومة سياسة التطبيع، وخلق وضع عربي مقاوم مناهض للهيمنة الإمبريالية- الأمريكية- الصهيونية.
مؤخراً استطاعت الولايات المتحدة وبعض من عملاء الكيان الصهيوني وبمساعدة من بعض الفصائل السياسية أن تعقد مؤتمراً للتطبيع مع “إسرائيل” في مدينة أربيل، رغم رفض الأوساط العراقية لهذا المؤتمر الذي رفضه الشعب العراقي بكل أطيافه وقومياته، وبذلك لابدّ لنا أن نستنتج أن التطبيع مع “إسرائيل” كان جوهر مشروع الشرق أوسطي الذي كان أحد شعاراته توفير السبل المناسبة سواء بالقوة العسكرية أو السياسية للاعتراف بـ”إسرائيل” في المنطقة، وإسقاط الصراع العربي- الصهيوني، وفي الوقت نفسه نسيان العرب لفلسطين كقضية مركزية لهم.
كيان الاحتلال الإسرائيلي كان وسيبقى في نظر العرب قاعدة امبريالية، وهي جزء من النظام الإمبريالي العالمي. ونشاطها في العالم هو منذ قيامها مرتبط بالنشاط الإمبريالي سواء أكان لمصلحتها الخاصة أو لحساب الإمبرياليات الأوروبية والأمريكية. هذا هو على الأقل التصور الأكثر شيوعاً في العالم العربي والإسلامي. وتشعر الشعوب العربية بالمهانة من جراء فرض عنصر غريب في قلب أمتهم تسانده قوى العالم الأوروبي الأمريكي، فكيف والحال يمكن أن يقبلوا التطبيع والتعايش مع هذا الكيان؟.