المخرج هشام شربتجي… أزمته الصحية كشفت إجماعاً شعبياً على محبته
البعث الأسبوعية- أمينة عباس
تعرض المخرج التلفزيوني هشام شربتجي مؤخراً لجلطة دماغية دخل على إثرها في غيبوبة استمرت عدة أيام ليغادرها فيما بعد وقد تجاوز المرحلة الأولى من العلاج بنجاح، وكانت ابنته المخرجة التلفزيونية رشا شربتجي قد صرحت أن والدها يحتاج إلى رحلة طويلة من العلاج الفيزيائي حتى يتمكن من العودة لحياته الطبيعية، مشيرة إلى أن الجلطة أثرت على والدها، لكنه ما زال يتمتع بقوته وحيويته وتمسكه بالحياة مما سيساعده على تجاوز الأزمة الصحية ويعود إلى نشاطه السابق.. وكان شربتجي قبل أزمته الصحية قد صرح أنه متفرغ لكتابة سيرة حياته الفنية والمهنية، وقد كشفت أزمته الصحية إجماعاً شعبياً ورسمياً على محبته وأهمية اسمه في الساحة الفنية الدرامية.
الهاوي الأبرز
في حواره الإذاعي الأخير له مع إذاعة المدينة قال: “أنا الهاوي الأبرز بعد خمسين سنة عمل ولستُ محترفاً حتى اليوم وأتعلم من كل شخص بمن فيهم ابنتي رشا شربتجي وأتابع ما يسمع ابني يزن من موسيقى وأتعلم حتى من الكومبارس” رافضاً أن يقال أن زمنه ولّى، معتبراً أنه يسبق مخرجي اليوم برؤيته وأفكاره، مبيناً أن ما حدث في سورية جعله يبتعد عن الإعلام بسبب الحزن الذي عاشه وخوفه من أن ينقله للناس بعد أن قدم الفرح في أعماله لسنوات وتمنى أن يصيبه مرض الزهايمر لينسى كل سنوات الحرب.. وكمخرج كانت إطلالته الأخيرة في مسلسلَي “مذكرات عشيقة سابقة” و”أزمة عائلية” عام 2017 بعد غياب امتد لأربع سنوات قضاها بعيداً عن الإخراج والإعلام.
المخرج القائد
من ألقابه “أبو الكوميديا السورية الحديثة” و”شيخ الكار” وهو اللّقب الذي حازه بجدارة نظراً لأهمية أعماله وحرفيتها، وهو من مؤسسي نهضة الدراما السورية وصانع العديد من النجوم السوريين، أما هو فلا يتردد في أن يصف نفسه دائماً بأنه مخرج ديكتاتور لقناعته أن المخرج يجب أن يكون قائداً للعمل الفني، وأن الديكتاتورية التي يقصدها هي أن يكون له الخيار الأول والأخير في العمل الفني كمخرج، مؤكداً أن وجود مخرج ديكتاتور لا يعني إلغاء العمل الجماعي، والديكتاتورية برأيه يجب أن تقوم على تنظيم كل عناصر العمل لتحقيق الإيقاع العام له، وهذه هي مهمة المخرج، مع تأكيده أن أي شخص يشارك في العمل قد يكون سبباً في فشله، فكل الجهود يجب أن تصبّ في هدف واحد لينجح العمل.
قل خيراً وإلا فهرِّج
لم يتردد في يوم من الأيام في وصف بعض الأعمال الكوميدية التي قدمها بأنها أعمال تهريجية دون أن يتبرأ منها، وهو عندما وصف بعض أعماله بأنها كانت تهريجية لم يقصد أن يذمها بل حاول توصيفها، مبيناً أنه حين قدمها كنا في مرحلة بحاجة فيها إلى الضحك الذي كان دواء لمشاكلنا، وقد رفع آنذاك شعار “قل خيراً وإلا فهرّج” ولا يخفى على أحد أن هذه الأعمال حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، مع أن النقاد هاجموها بشكل كبير ولم يكن لديه تفسير لذلك النجاح سوى أنها كانت وليدة مرحلة كان الجمهور فيها بأمس الحاجة إلى هذا النوع من الأعمال، في حين وصف الأعمال الكوميدية التي تقدَّم حالياً بأنها نخب ثان، مع تأكيده على أن الوضع الكوميدي في المشهد الدرامي السوري بحالة سيئة كما هو الحال في المشهد الدرامي العربي بشكل عام: “هناك من دخل عالم الكوميديا من دون خبرة جربوا ففشلوا، وقدموا مسلسلات تُبْكي ولا تضحك، لكن تبقى الأعمال الكوميدية نادرة ليس في عالمنا العربي بل في العالم كلّه، والسبب أنها الأصعب بين أنواع المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية”.
الكوميديا مهنة
عُرف بمخرج سلسلة النجوم، وكان يفتخر كثيراً بالجزء الثاني من “عيلة 7 نجوم” الأكثر نضوجاً والأكثر غنى بالأفكار برأيه مقارنة مع الأجزاء الأخرى، وهو عمل تكلم كما تتكلم عشرات الأعمال التي قدمها عن الآلام والأحلام التي نعيشها، أما فيما يتعلق بالشكل الفني فقد أرتأى أن يقدمه بصيغة تحويل كل العاملين فيه إلى دمى بهدف إعطاء العمل شكلاً أقرب إلى أفلام الكرتون، وهو مؤمن أن الكوميديا تحتاج إلى مخرج وأنها الأكثر تعقيداً من الأنواع الدرامية الأخرى بسبب حاجتها إلى البساطة في تعامل المخرج مع الممثلين والنص الذي يقوم على أفكار مجردة بعيدة عن العواطف وعن محرضات مجردة تقترب من العقل الإنساني، والتي فيها نوع من المحاكاة العقلية، ولذلك يرى أن الكتابات الكوميدية هي الأقل في الآداب والفلسفات العالمية، كما أنه يؤمن بأن زمن كوميديا الممثل الواحد انتهى كما كان أيام محمود جبر ودريد لحام ثم ياسر العظمة، وأنه كسر القاعدة منذ “عيلة 5 نجوم” حيث لم يعد العمل الكوميدي يقوم على ممثل واحد وأنه لا يقر بوجود ممثل كوميدي وإنما ممثل خفيف الظل له طلة على الشاشة، مع تأكيده أن الكوميديا هي مهنة، وهو في حياته العادية لا يجيد النكتة وعندما يخرِج مشهداً كوميدياً يكون الأكثر توتراً، في حين يكون في الأعمال الدرامية أكثر راحة وابتساماً: “لو لم أكن محظوظاً لما استطعتُ أن أضحِك الجمهور” كما يؤكد دوماً أن الدراما السورية تفتقد إلى النص الكوميدي، وأن معظم الكتّاب في الكوميديا يستسهلون الكتابة، وعدد كبير منهم لا يعرف تقنيات وأدوات الكتابة التلفزيونية.
حذَّر كثيراً
حذر شربتجي من استباحة الدراما السورية من خلال رؤوس الأموال غير معروفة المصادر والتي تدخلت بكل شيء بدءاً من الموضوع وانتهاء بالتفاصيل الصغيرة، ولذلك منذ سنوات طويلة وهو يدعو إلى أن يعمل رأس المال الوطني في هذا المجال ليستطيع أن يقدم أفكارنا، إلى جانب التأكيد على ضرورة تأهيل المجموعات الفنية حتى لا يُترك المجال لأنصاف الموهوبين والمتعلمين لاقتحام هذه المهنة والسيطرة عليها، وهو لا يخفي رغبته في أن تتحول الدراما إلى سلعة تجارية: “الدراما الأميركية جمعت ملايين الدولارات من أفلامها ومسلسلاتها التي تتحدث عن الخيال العلمي والقضايا الاجتماعية وقضايا الحياة بشكل عام، فما المانع في أن تكون سلعة تجارية ليتم استثمارها بشكل صحيح؟”.
مهنة سامية
الإخراج بالنسبة له مهنة سامية: “الطبيب قد يقتل إنساناً واحداً أما المخرج المتطفل فيقتل جيلاً” ولذلك رفض العديد من الأعمال التي عُرضت عليه لأنها قد تسيء للأجيال وتثير عصبيات، أما المخرج الذي لا يعرِف كيف يُعيد صياغة ما كُتِب على الورق ويكسيه لحماً ودماً وينفُخ فيه الروح ليصبح عملاً منجزاً فهو برأيه مَخرَجٌ وليس مُخرِجاً، وهو يرى أن أحد أهم أساسيات الفن تحويل الدمامة إلى جمال، والتغيير لا يأتي إلا من حركة مجتمع كامل، فالفن يتحول بتحول المجتمعات ولكن لا يستطيع تغييرها، فالفن كما يقول دائماً رغم أهميته ليست لديه قدرة على التغيير بدلالة أن كل الأعمال التي تحدثت عن القضية الفلسطينية لم تحل قضية فلسطين، وبدلالة أن الفنان ياسر العظمة دعا في مراياه إلى العديد من القيم الأخلاقية دون أن يلتزم أحد بها، مؤكداً أن الذي يغير هو القانون، فهو يبدل في سلوكنا ويجبر الجميع على التقيد به.
علامة فارقة
برز في الكوميديا حتى صار علامة في مسيرتها، وكانت له نجاحات محققة في الدراما الاجتماعية لم يتوقعها بعضهم، فكانت هذه النوعية من الأعمال علامات فارقة أيضاً في مسيرة الدراما الاجتماعية مثل “أسرار المدينة، رجال تحت الطربوش، أيامنا الحلوة، المفتاح، مذكرات عشيقة سابقة، رياح الخماسين” وغيرها، في حين غاب عن الأعمال التاريخية لقناعته أن التاريخ مزيف وغير صادق، أما مسلسلات البيئة الشامية وفي مقدمتها “باب الحارة” فقد بيَّن أنها أعادت الدراما السورية سنوات طويلة إلى الوراء تحت شعار أن “الجمهور عاوز كده” وهو منطق غير صحيح برأيه اتخذه بعضهم لتقديم بعض الأعمال، والدليل أن أعمالاً هامة شكلاً ومضموناً قُدمت وحققت نجاحاً كبيراً، مؤكداً في الوقت ذاته أنه انزلقَ أيضاً مع موضة الأعمال الشامية فقدم مسلسل “جرن الشاويش” الذي تعرض لانتقادات شديدة، موضحاً أنه أحد الأعمال التي قدمها لأنه كان مضطراً للعمل ولم يكن ضمن خياراته، إلى جانب أعمال مثل “مرزوق على جميع الجبهات” و”ليلة القبض على عليش” مع إشارته إلى أنه قدمها وكان في نيته الارتقاء بها نحو المستوى المطلوب: “أنا مخرج ولم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب، وبالتالي يجب أن أعمل، ولهذا قبلتُ ببعض الأعمال انطلاقاً من ثقتي الكبيرة بنفسي بأن أرتقي بسويتها، ولكن ليس كل ما يتمناه المخرج يمكن أن يتحقق”.
مشروع لم يتحقق
وُلد هشام شربتجي في دمشق عام 1948 وتعلم في مدارسها، وفي طفولته شارك في مسابقةٍ نظمتها الأمم المتحدة لأطفال العالم في التصوير الضوئي، وكان حينها يتمنى أن يمتهن الطيران، فسافر إلى مصر ليدرس في معهد إمبابة للطيران إلى جانب انتسابه إلى كلية الفنون، لكن النكسة دمرت المعهد، فتابع دراسة الفنون والأدب المقارن.. وبعد حصوله على شهادة البكالوريوس من أكاديمية الفنون-المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة عام 1972 سافر إلى ألمانيا ليكمل دراسته، وبعد عودته بدأ هشام شربتجي مشواره الفني مخرجاً في إذاعة دمشق بمشاركة الإعلامي نذير عقيل، وأسّس شكلاً جديداً من أشكال الدراما الإذاعية الناقدة، فأصبح اسماً معروفاً بعد أن قدم أعمالاً لاقت رواجاً كبيراً في الإذاعة أولاً، ومن ثم التلفزيون، وقد تميزت بخفة الظل وملامستها لهموم الناس في الصميم، ومن أعماله نذكر “أحلام أبو الهنا، يوميات جميل وهناء، مذكرات عشيقة سابقة، عيلة خمس نجوم، عيلة ست نجوم، عيلة سبع نجوم، عيلة ثمان نجوم، مرايا 84، مرايا 86، مرايا 2006، بقعة ضوء 2008، طاش ما طاش 2009.