السودان والتحولات القادمة
تقرير إخباري
تحت تهديد قطع الدعم المالي الخارجي، أعاد الجيش السوداني رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي أطاح به قبل شهر إلى كرسيه، ولهذا القرار -من الطبيعي- أن يكون خفايا من أهمها أن الكلمة العليا في البلاد باتت بيد الجيش، وليس بيد الأحزاب السياسية أو المنظمات المدنية، كما تمّ الإيحاء به إلى المجتمع الدولي. المهمّ في هذه الجزئية هو أن الولايات المتحدة طالبت قادة الجيش بإعادة الأمور إلى نصابها في خطوة لا تخلو من الوصاية الأمريكية على مجريات الأحداث في السودان، وحتى التحكم بقرارات الجيش. لكن على وقع هذا الانقلاب المفاجئ في قرار الجيش، خرجت أصوات تتهم حمدوك بأنه رجل أمريكا، وأنه ارتهن هو والجيش إلى ما ستمليه عليهما لاحقاً، وحتى اتهام رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بتقديم تلك التنازلات ليس للقوى المدنية، إنما لواشنطن.
الترحيب الدولي اللافت بالاتفاق بين أطراف المرحلة الانتقالية في السودان يدلّ على أن هناك أيادي أمريكية تقود الفوضى في السودان، إذ ما معنى أن يكتب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عبر “تويتر” مباشرة بعد الاتفاق: “شجعتني التقارير التي تفيد بأن المحادثات في الخرطوم ستؤدي إلى إعادة رئيس الوزراء حمدوك إلى منصبه”!. كما رحبت دول الترويكا “النرويج وبريطانيا والولايات المتحدة”، والاتحاد الأوروبي، وسويسرا، وكندا في بيان مشترك بالاتفاق على إعادة حمدوك إلى منصبه رئيساً للوزراء.
وأمام هذه التطورات تعالى شعار “حمدوك خان الثورة”، حيث قرّر ممثلو حركة “قوى الحرية والتغيير” عدم وقف الاحتجاجات، وقالت الحركة في بيان “نعيد تأكيد موقفنا الواضح والمعلن سابقاً: لا مفاوضات ولا شراكة ولا شرعية للانقلابيين”، وبحسب الوثيقة، يجب تقديم منفذي انقلاب تشرين الأول للعدالة. كما وصف تجمع المهنيين السودانيين الاتفاق السياسي بأنه خيانة وانتحار سياسي لحمدوك!.
ردة فعل “قوى الحرية والتغيير” كانت متوقعة، لأنه بالنظر إلى وثيقة الاتفاق فهي لا تحتوي أي بند يتطرق لجذور الأزمة التي أنتجها انقلاب 25 تشرين الأول الماضي، أي أن الاتفاق التفّ على أهداف الثورة، وبالتالي ستوضع العقبات من قبل قادة المكوّن العسكري المدعوم أمريكياً بعد أن عملوا ولأكثر من مرة على الحنث بالعهود والمواثيق المشهود عليها إقليمياً ودولياً.
إذن، السودان مقبل على أيام قاسية ما دامت جميع القوى التي قادت الثورة ترفض ما تسميه “اتفاق الخيانة” الموقع بين حمدوك والبرهان، وترى فيه أنه لا يخصّ سوى أطرافه، لأنه بعيد عن تطلعات الشعب، وليس سوى حبر على ورق، وأن الوثيقة تمثل خيانة لدماء الشهداء.