قمة افتراضية حول ديمقراطية المصالح الأمريكية
ريا خوري
كم كانت مستغربة الخطوة التي أبدتها الولايات المتحدة الأمريكية حين أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن دعوته لنحو 110 دول في العالم للمشاركة في قمة افتراضية حول الديمقراطية يعتزم تنظيمها في شهر كانون الأول المقبل، دون دعوة دول كبيرة ومهمة في العالم مثل الصين وروسيا.
هذه الدعوة المفاجئة تدعو للتساؤل حول أهدافها وأسبابها الموجبة لعقدها، فهل الولايات المتحدة مؤهلة في الأساس لأن تقود سفينة الديمقراطية في العالم وتبشّر بها وتحديداً في مثل هذه الطريقة المستهجنة من معظم دول العالم؟.
هذا الأمر يدعو للعودة إلى القواميس ومعاجم تعريفات الديمقراطية ومقارنتها بما يحدث في العالم. الديمقراطية بمعناها البسيط وفق التعريف اليوناني الأساسي لها هي “حكم الشعب بالشعب”، وهذا المفهوم تطور ليأخذ أشكالاً شتى وفق ما ترتئيه الدول حسب مصالحها وما يشكل نظامها السياسي من قوى سياسية واجتماعية. وحدها أمريكا اتخذت سبيلها الخاص في الديمقراطية الذي يعتمد على المال، لذا فإن الديمقراطية التي تقوم على المصالح والنفوذ والمال هي ديمقراطية منقوصة، كما يؤكد ذلك الكثير من المفكرين والباحثين الأمريكيين الاستراتيجيين. ومع ذلك تسعى الولايات المتحدة إلى تصدير “ديمقراطيتها” إلى العالم باعتبارها نموذجاً خاصاً يجب أن يُحتذى، ويجب أن يطبّق في تلك الدول المدعوة للقمة الافتراضية، متناسية أنها حاولت تطبيق ديمقراطيتها التي جاءت على ظهور الدبابات وصواريخ توماهوك وحاملات الطائرات وقاذفات ب52 التي فشلت في تطبيقها في العراق وأفغانستان هنا في الشرق الأوسط خلال عهد الرئيس الأسبق جورج بوش. ولعلّ نموذج ما فعلته من قتل وتدمير وخراب في العراق وأفغانستان يقدم درساً عن الديمقراطية التي تريدها الولايات المتحدة.
اللافت في الأمر أنّ الرئيس بايدن دعا العديد من قادة دول غير ديمقراطيين إلى قمته واستثنى آخرين ديمقراطيين في خطوة استنسابية تعبّر عن المصالح الأمريكية فقط بشكلٍ فاضح، وليس حباً بالديمقراطية. وعند استفسار عدد كبير من السياسيين عن عدم توجيه الرئيس بايدن الدعوة إلى الصين وروسيا الاتحادية كان الجواب غامضاً ومضللاً ليس لأنهما لا تلتزمان بالمعايير الديمقراطية الأمريكية ولهما نهجهما الديمقراطي الخاص، حسب الرأي الأمريكي، بل لأنهما في المفهوم السياسي الأمريكي يعتبران دولتين “معاديتين” ليس من حقهما المشاركة في مؤتمره “الديمقراطي”.
وحده كان الردّ الروسي جريئاً وسريعاً عندما اعتبرت أن هذه القمة محاولة أمريكية جديدة “لتقسيم العالم بين جيد وسيئ”، واتهم المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الولايات المتحدة بالسعي لفرض مفهومها للديمقراطية على دول أخرى، وخصخصة هذا المصطلح.