المنهجية وروح الفريق
غالية خوجة
لن ينجح أي عمل بلا روح الفريق، ولن تنجح روح الفريق بلا منهجية، وهذا ديدن البناء بالعمل على كافة مستويات البنى التحتية والتعليمية والاقتصادية والتجارية والثقافية والفنية، وهذا ما تدركه الدول الفاعلة المطوّرة لأدائها ومستقبلها لتؤسّس بنيانها في مختلف المجالات على محور الاستدامة والتطوير لتقود مرحلة التطور.
ولن تصل بعض الدول إلى هذه المرحلة إلاّ إذا اعتمدت على منهجية مستدامة رائية لأزمنة قادمة، بانية للمستقبل منذ الآن، من خلال خطط أساسية واحتياطية واحتمالية، تدرك أهدافها الإستراتيجية، وتوظف كافة العوامل والموارد البشرية والمادية والطبيعية من أجل تحقيق هذه الأهداف ونجاحها وازدهارها، ثم، من أجل توظيفها في أهداف جديدة تمّ إدراجها من خلال المنهجية وخططها الأساسية والاحتياطية والاحتمالية لتكون في فضاء الإنجاز المستمر وفي كافة المجالات الحياتية.
وبكل يقين، لن يتمّ ذلك دون روح الفريق المتعاونة المتفاعلة الفاعلة بجدية لدرجة أنها قد تسابق الزمان وتنجز المطلوب قبل المدة المحدّدة، وبذلك تحارب الفساد أيضاً. والسؤال: كيف يمكن أن تكون هناك روح الفريق الموظفة لطاقاتها ضمن نسق إيجابي منتج ومبتكر؟.
روح الفريق تبدأ من خلال الأسرة، فيجسّد أفرادها هذه الروح المتآلفة، لتنجز الأفضل على صعيد الحياة اليومية والعلمية والمعرفية والتعليمية والاجتماعية، ثم تتسع الدائرة لتكون روحاً اجتماعية محيطها الأول الأقارب، والثاني الجيران والمعارف والأصدقاء وأهل الحيّ، والثالث الزملاء في الجهة التعليمية والزملاء في أمكنة العمل.
والوعي بهذه العلاقة ودوائرها ومحيطها هو وعي متيقظ يعزف لحناً لا نشاز فيه، لأن كل إنسان في هذه العلاقة يعرف ما عليه القيام به، ويؤدي واجباته ليس فقط كما يجب، بل يبتكر في طريقة الأداء، ويراجع نفسه، ليقدّم الأفضل دائماً.
وهنا، ننتقل من أداء الوعي الفردي ومسؤولياته إلى أداء الوعي الجمعي ومسؤولياته، مما يجعل المنهجية مستمرة ومتطورة، وغير متعلقة بديكتاتورية أي فرد من الأفراد، سواء مات أو مرض أو تغيّب أو استقال، لأننا أمام منظومة جمعية ديناميكية تتمتّع بروح الفريق المتآلفة مع أرواح الفرقاء الأخرى، الخبيرة بطبيعة العمل، فلا احتكار لمجال معيّن في العمل، ولا سرية في العمل بين أفراد الفريق، لتكون في النهاية روحاً لفريق واحد على صعيد الدولة بأسسها وإجراءاتها وعقولها وأدائها وإنجازاتها، وهذا يضعنا أمام تشبيه هذه الروح بآلة الزمن، أي الساعة، ومسنّناتها وحركة دورانها والتفافها مع النابض، وثباتها مع أصغر “برغي” يثبتها، فإذا اختلّ أي جزء منها مهما كان صغيراً فإن الوقت سيختلّ كما التوقيت، وستتوقف عن العمل، وهذه هي روح الفريق الراغبة في المزيد من الدوران والإنتاجية المتناغمة.
وتمثل ذلك كلّ من اليابان بعد الحرب العالمية الثانية واستمراريتها اليوم وغداً، والصين التي ما تزال تنتج بروح الفريق لتتفوق على العالم، وروسيا القوية بعدما كان يمثلها الاتحاد السوفييتي.
ولم نكن نحن العرب الذين عرّفنا العالم على روح الفريق بعيدين عن هذه المنهجية الحضارية التي أضاءت عصور الظلام لأوروبا والعالم، علمياً، وفلكياً، ومعرفياً، وثقافياً، وفنياً، ورياضياً، واقتصادياً، وتجارياً، وسياسياً، بل نحن من أسّس لأخلاقياتها المدنية الحضارية المتطورة، ويشهد على ذلك التأريخ المضيء، الذي حفر في ذاكرته الأبدية الكثير من الأفعال الشمسية والقمرية لهذه الأمة، كما حفرتها الأبجدية الأولى التي علمتنا الشعر الحكيم والأقوال المأثورة المتّسمة بالديمومة، مثل “إذا عملت خيراً فأكمله، وإذا بدأتَ عملاً فأتقنه”، وخير ما يجسّد هذا التآلف قوله صلى الله عليه وسلم: “مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.