مجلة البعث الأسبوعية

مشاريع وطنية واعدة للتحول إلى الاقتصاد الأخضر

البعث الأسبوعية- بشار محي الدين المحمد

في ظل المخاطر البيئية المتزايدة، وضرورة الحد منها بتنا بحاجة ماسة للاقتصاد الأخضر كأحد آليات تحقيق التنمية المستدامة، وخلق قيم مضافة عبر التشجيع على الابتكار، وتطبيق التقانات المتقدمة، وفتح أسواق جديدة، وفرص عمل، وتنمية المناطق الريفية، وتحقيق الأمن الغذائي.

من الأولويات

بحسب الدكتور تيسير حاتم مدير إدارة بحوث الدراسات الاقتصادية والاجتماعية في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية أن هناك سعي جاد لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة، وخفض الطاقات المعطلة وعدم استنزافها لتحقيق التنمية المستدامة، مشيراً إلى أن الهيئة وعلى اعتبار أنها المسؤولة عن قيادة منظومة البحث العلمي الزراعي في سورية فإن محور الاقتصاد الأخضر يندرج ضمن أولوياتها البحثية العلمية، وتسعى من خلال عملها البحثي، وتبنيها للتقانات الحديثة لمواكبة مبادئ هذا النوع من الاقتصاد، وتحقيقه عبر اجتذاب الأبحاث العلمية التي يمكن الاستفادة منها في مشاريع يمكن تبنيها من خلال القطاعات العام، والخاص، والمشترك.

وبيّن حاتم: أنه يتم حالياً العمل ضمن الخطط البحثية للهيئة على مواضيع عدة أولها الاستخدام المستدام للموارد الزراعية الطبيعية الذي يتضمن التركيز على الاستهلاك والإنتاج المستدام، وإدارة المياه من خلال تطبيق برامج رفع كفاءة استخدام المياه الزراعية عبر تعديل التركيب المحصولي لصالح الزراعات الأقل استهلاكاً من المياه على سبيل المثال، وتبني برامج الري الحديث، ومشاريع حصاد المياه وتعزيز دورها الكبير في الاستفادة من مياه الأمطار، وبرامج الاحتياجات المائية حسب الحاصلات الزراعية، وجميع الجهود الرامية لرفع كفاءة استخدامات المياه في الزراعة، وإدارة الأراضي من خلال دراسة تطبيق نظم زراعية رديفة كالزراعة العضوية، والزراعة الحافظة ودورها الكبير في الحد من تدهور التربة والمحافظة على الغطاء النباتي، والاستفادة منها في عمليات التكثيف الزراعي، وتطبيق البرامج الاقتصادية التي تساهم في تحديد السعات المثلى للمشاريع الزراعية للوصول إلى الاستخدام الأمثل للمساحات الزراعية.

إدارة المخلفات الزراعية

ولفت حاتم أن ثاني الموضوعات التي يتم العمل عليها موضوع إدارة المخلفات الزراعية المتضمن صناعة الكمبوست، والأعلاف، والأسمدة الطبيعية، وصناعة الوقود الحيوي، وتوليد الغاز الحيوي، أما الموضوع الثالث، فيتضمن تطبيقات تقانة النانو في السماد وبشكل يسهم في زيادة كفاءة استخدام الأسمدة وخفض الهدر، والمحافظة على البيئة. ورابعاً برامج الإدارة الزراعية المتكاملة الذي يتضمن المكافحة الحيوية، والزراعة العضوية، وبرامج إكثار الأعداء الحيوية والمحافظة على الحشرات الاقتصادية، وترشيد استخدام المبيدات، واستخدام الأسمدة الحيوية، واستخدام الزيوليت والرماد البركاني كمحسنات للتربة. وخامساً موضوع المحافظة على الأصول الوراثية، والبنك الوراثي، والتنوع الحيوي، وسادساً موضوع التغيرات المناخية المتضمن التوجه لتبني برامج بحثية للتأقلم معها، وأخيراً موضوع تطبيق برامج نشر التقانة بهدف تمكين الفنيين والفلاحين من تطبيق واعتماد التقانات المتوافقة مع مبادئ الاقتصاد الأخضر.

وأوضح حاتم أن هناك عدة معوقات تحد من التحول نحو الاقتصاد الأخضر يأتي في مقدمتها الحصار الاقتصادي، والآثار الاقتصادية، والاجتماعية التي ولدتها الأزمة السورية، وموجات الجفاف المتتالية، والتغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة، ومحدودية الموارد الطبيعية، والمالية.

الأسمدة النانوية

تقنية النانو عبارة عن عملية بناء مواد، وأجهزة، وأنظمة جديدة عبر التحكم في المادة عند مستواها النانوي والذري، واستغلال الخواص والظواهر الجديدة الناتجة عن ذلك لجعل الحياة البشرية أكثر سهولة في معظم المجالات، هنا يرى الدكتور ينال أحمد القدسي من الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية “قسم بحوث التقانات الحيوية” أن هناك معاناة في مجال الزراعة من عدة معوقات كالتغير المناخي، وزيادة استهلاك المنتجات الزراعية، وتقلص المساحات المزروعة، وانخفاض الإنتاجية، وفقدان الموارد كالمياه، والمخصبات، والمبيدات الحشرات، وضياع المنتجات، وتحقيق الأمن الغذائي، وهذا كله يستوجب إتباع حلولاً تنموية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والزراعي، وفي هذا الصدد تبرز أهمية استخدام تقنية النانو لمعالجة للعديد من المشكلات الزراعية كونها تساعد على تحقيق معدلات إنجاز ملحوظة في معالجة تلك المشكلات الزراعية.

ووفقاً للقدسي ساهمت تلك التقنية في ما يتعلق بالمبيدات الحشرية بمنع وصول أخطارها للإنسان وذلك إما عن طريق تصنيع هذه المبيدات في كبسولات نانومترية يستطيع الإنسان التحكم الدقيق في معدل إفراز المبيدات منها، أو عن طريق تصنيع المبيدات الحشرية في الحجم النانومتري لزيادة كفاءتها بأقل التركيزات الممكنة.

كذلك ساهمت هذه التقنية بالتغلب على مشكلات ارتفاع درجة حرارة الأرض وتأثيراته على نمو النباتات من خلال إنتاج نباتات تتحمل درجات حرارة عالية.

وأشار القدسي إلى أن الدور الأهم الذي تلعبه هذه التقنية هو إنتاج الأسمدة النانوية حيث تسهم في تغذية النبات سواءً عبر رشها على المجموع الخضري، أو بإضافتها من خلال المعاملات الأرضية كزيادة نشاط عمليات التمثيل الضوئي، وزيادة قدرة المحاصيل على تحمل ظروف الإجهاد المختلفة.

أبحاث منجزة وقيد الإنجاز

ووفقاً للدكتور ينال القدسي تقوم الهيئة بدور رائد على مستوى القطر في مجال تطبيق تقنية النانو في المجال الزراعي، حيث أبرمت اتفاقيات تعاون مع كلية العلوم في جامعة دمشق، والمعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، واتفاقية تعاون مع جامعة ذي قار العراقية، وغالبية تلك الاتفاقيات تتعلق بمجال أبحاث تطبيق الأسمدة النانوية على المحاصيل الإستراتيجية كالذرة الصفراء غوطة 82، والقمح القاسي، والقمح الطري.

وتمخض عن ذلك مجموعة من الأبحاث المنجزة، أو قيد الإنجاز وهي بحث حول تأثير دعامات من ألياف نانوية في تخفيف ظاهرة الاسمرار الفينولي لبعض النسج النباتية المزروعة في المخبر، ومقارنة تأثير بعض الأسمدة النانوية والأسمدة الكيميائية المعدنية على بعض الصفات الإنتاجية والنوعية لأصناف القمح القاسي والطري، وتأثير إضافة مستويات مختلفة من كربونات الكالسيوم النانوية إلى الخلطة العلفية في الأداء الإنتاجي والفيزيولوجي للدجاج البياض، وفروج الدجاج، ومقارنة تأثير بعض الأسمدة النانوية والأسمدة الكيميائية المعدنية على بعض الصفات الإنتاجية والنوعية لصنف الذرة الصفراء غوطة 82، ومن النتائج الهامة التي حصلوا عليها من خلال تطبيق الأسمدة النانوية على محصول غوطة 82، بأنه يمكن الاستعاضة عن الأسمدة التقليدية (يوريا، و NPK) بالأسمدة النانوية (يوريا 60غ، ويوريا 90غ، وNPK 60غ ) حيث أعطت إنتاجية عالية تقارب الأسمدة التقليدية، وهذا يعني تقليل تكاليف استخدام الأسمدة التقليدية.

الزراعة المستدامة

واعتبر الدكتور ياسين محمد العلي رئيس مجلس إدارة شركة رعايتي للاستثمار والتطوير الزراعي أن الاقتصاد الأخضر من وسائل تحقيق التنمية المستدامة في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ووسيلة لممارسة العمليات الزراعية، وتحسين المهارات والتكنولوجيا لتحقيق استقرار الإنتاج، وحماية الطبيعة عبر دعم التفاعل بين مكوناتها والإنسان لتحقيق متطلبات كل منهما بالصورة الأمثل.

وأشار الدكتور”العلي” إلى أن هناك العديد من المشاريع الوطنية الواعدة للتحول الاقتصاد الأخضر على أرض الواقع عبر كفاءات وكوادر وطنية، وفي العديد من المجالات، وتستعد استثمارات ضخمة للدخول إلى القطر للاستثمار في مجال مشاريع الطاقة المتجددة كالمشروع المزمع إقامته مع الجانب الروسي لتوليد الطاقة الكهربائية من خلال تدوير النفايات بتقنية التخمير المغلق التي تولد 445 كيلو واط ساعي/1طن من النفايات، ويمكن زيادة هذا الرقم عبر استخدام تقنيات أخرى كتقنية الإيكو بلازما، وبذات الوقت فإن تلك النفايات تحتوي على مواد عضوية بنسبة لا تقل عن 50-55%، وبالتالي يمكن الاستفادة منها أيضاً في صناعة الأسمدة الخضراء، وتلافي الخسائر التي قد تلحق بالقطاع الزراعي جراء الارتفاعات العالمية لأسعار الأسمدة الكيميائية، وخلق قيم مضافة أكبر للمنتجات الوطنية.

وتابع”العلي”إن تطبيقات الاقتصاد الأخضر كالسماد النانوي تؤدي لتخفيف النفقات اللوجستية حتى وإن كانت تلك الأسمدة بسعر السماد العادي فاستخدام كيلو من السماد النانوي يغني عن استخدام مئة كيلو من السماد العادي، كما أنه مصنع من مواد طبيعية لا تحتاج لعناصر مستوردة، وينجم عن ذلك زيادة القيمة المضافة، وزيادة ربحية الفلاح من خلال تقليل نفقات النقل، والتخزين، واليد العاملة، وصولاً لمنتج زراعي وطني تنافسي في الأسواق الداخلية والخارجية.

وقلل الدكتور”العلي”من شأن معوقات التحول للاقتصاد الأخضر مؤكداً أن الإرادة القوية قادرة على تذليل كافة العقبات، وخلق البدائل المساعدة للتنفيذ، وتحقيق ذلك يحتاج لتوعية الفلاح الذي مازال بعيداً عن هذا الموضوع، ورفع مستوى الوعي الزراعي الجمعي لمواكبة ميزات ما وصلت إليه التقنية الزراعية.