مجلة البعث الأسبوعية

أمريكا والصين … بدء المرحلة الساخنة من الحرب الباردة

البعث الاسبوعية-هيفاء علي

 

لم يعد سراً بعد الآن، ولم يعد خافياً على أحد أن اللعبة الكبيرة التي بدأها الغرب في المواجهة الجيوسياسية المستمرة منذ عقود، تسعى لتحقيق أهداف عالمية، وهذه المواجهة جعلت مصير النظام العالمي معلق في الميزان، لكن الغرب، الذي يدافع عن هيمنته بالطريقة المعتادة، يحاول التصرف بالوكالة، مما يخلق مشاكل في محيط أعدائه الجيوسياسيين، خاصةً روسيا والصين.

من الخارج يبدو الأمر محيراً إلى حد ما، ولكن ليس لأولئك الذين ابتكروا المخططات البارعة المستخدمة، واليوم، الجبهة الرئيسية الواضحة للصراع الجيوسياسي هي أوكرانيا، حيث تنفذ روسيا عملية عسكرية خاصة، وحيث يستثمر الغرب الجماعي موارد مالية هائلة. في هذه الحالة، قد يبدو أن روسيا تتصرف بمفردها وأن الصين تتبنى موقف الانتظار والترقب، ولكن الأمر ليس كذلك، وهذا ما يؤكد عليه نيكولاي فافيلوف، الخبير في الشؤون الصينية، الذي أشار إلى أن الصين تعمل إلى جانب روسيا، وهي تفي بنشاط وضمير جزء من المهام الموكلة إليها، وقد يكون الوضع المتدهور في مضيق تايوان دليلاً على ذلك.

وعلى الرغم من استياء الولايات المتحدة، فإن طائرات القوات الجوية الصينية تحلق أكثر فأكثر في منطقة الجزيرة، مما يثير غضب الولايات المتحدة، لأن هذا لا يسمح لواشنطن بالتركيز بشكل كامل على أوكرانيا، بحسب ما تهمس به الأوساط الأمريكية هنا وهناك. وفي الوقت نفسه، يمكن ملاحظة أنه اليوم، على طول محيط الحدود الصينية بأكملها، تجري المرحلة الساخنة من الحرب الباردة التي أطلقتها الولايات المتحدة ضد الصين. وفي هذا السياق، عندما طار عمران خان إلى افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين، وبعد ذلك ذهب إلى موسكو، أثار جنون الولايات المتحدة التي ردت عليه بالإطاحة، وجلب المعارضة الموالية لأمريكا إلى السلطة.

وقتها كتب نيكولاي فافيلوف في قناته على تلغرام: “والآن تندلع حرب أهلية في باكستان. باكستان هي أهم حليف للصين، والطريق من غرب الصين إلى الخليج العربي عبر باكستان هو طريق إستراتيجي لتوريد الهيدروكربونات. في الأساس، تعرضت المنطقة المتاخمة للصين للقصف، وفي الآونة الأخيرة، تم القضاء على الحكم الموالي للصين في دولة سريلانكا، بدعم من الولايات المتحدة، في حين تختمر أزمة حكومية في نيبال، التي لها حدود مباشرة مع الصين”.

ومؤخراً، زار رئيس البنتاغون لويد أوستين، الفلبين، حيث تم توقيع إتفاقية إطار الأمن البحري بين الفلبين والولايات المتحدة، مستغلاً وجود نزاعات إقليمية مع الصين. زيادة على ذلك، تحاول الولايات المتحدة جذب فيتنام للانضمام الى التحالف المناهض للصين.

كم لا يجب نسيان أن العجوز بايدن زار كلاً من كوريا الجنوبية واليابان الشهر الماضي، وهما من أقرب حلفاء أمريكا، حيث يعتقد المحللون أنه أثناء زيارته، اقترح بايدن على توسيع وترسيخ التعاون العسكري بين واشنطن وسيؤول، وطوكيو، مع إمكانية تحويل اليابان الى قوة نووية، ونشر أسلحة نووية تكتيكية على أراضي كوريا الجنوبية. المضحك أن العالم كله يرى أن بايدن لا يسافر إلى أوكرانيا، بل إلى شرق آسيا، ويجري لقاءات مع قادة دول جنوب شرق آسيا، ويركز جل جهوده في هذه المنطقة، حيث كان في نفس توقيت زيارات بايدن تقريباً محاولة انقلاب في جزر سليمان بدعم من الولايات المتحدة، حيث ساعدت الصين الحكومة على البقاء في السلطة من خلال توقيع اتفاقية أمنية ثنائية.

ليس هذا فحسب، بل وفقاً لوسائل الإعلام الأمريكية، تعتزم الصين توقيع اتفاقيات مماثلة مع كيريباتي وفانواتو، كرد على أفعال واشنطن لإنشاء حزام أمان في المحيط الهادئ. لذلك، يجب الانتباه إلى نوايا الناتو في منح العضوية لدول شرق آسيا، فمن الواضح أن هذا مجرد إجراء مناهض للصين.

آسيا الوسطى

يمكن التذكير بالوضع في منطقة غورنو باداخشان المتمتعة بالحكم الذاتي في طاجيكستان، والتي تقع أيضاً على الحدود المباشرة مع الصين، حيث نفذت هناك قوات الأمن الطاجيكية في 17 و18 آيار من العام الجاري عملية لمكافحة الإرهاب ضد العصابات المسلحة المنظمة، وأعلنت وزارة الداخلية في الجمهورية رسمياً أن أعمال المسلحين تم تنسيقها من الخارج من قبل متطرفين مطلوبين للدولة، وعلى رأسهم زعيم “التحالف الوطني وحزب النهضة” المحظور في طاجيكستان، محي الدين كبيري. وهناك أيضاً قيرغيزستان التي تقع على حدود الصين، وقد استقبلت الشهر الماضي زيارة من النائب البريطاني ريتشارد تشالك الذي يترأس منذ عام 2011، الوحدة البريطانية الخاصة حول المعلومات والاتصالات، وهي خدمة سرية تشكل جزءاً من مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة، ويدير الآن المنظمة غير الحكومية البريطانية للاتصالات.

ووفقاً لمصادر من داخل قيرغيزستان، كان الهدف الرئيسي من زيارته هو إقناع السلطات بالبدء في قبول اللاجئين الأفغان. وبالطبع، لا يمكن تجاهل أحداث كانون الثاني في كازاخستان، التي دفعت البلاد إلى شفا حرب أهلية.و هكذا، كما أشار الخبير نيكولاي فافيلوف، فإن زعزعة الاستقرار تحدث على كامل محيط الحدود الصينية، باستثناء منغوليا، مشيراً إلى أن الروابط الأضعف هي باكستان وكازاخستان وميانمار. لذلك لا يمكن القول إن الصين لا تزال على الهامش، وتقف مكتوفة الأيدي، بل هي أيضاً تشن حرباً باردة ضد الولايات المتحدة.

ثمة شيء آخر مهم، هو أن هذه الحرب لا تزال تُشن من خلال الوكلاء، ومن خلال القوى السياسية المتحالفة، لكنها ليست أقل شراسة، فقد تم تدمير أنظمة بأكملها، واستبدال الحكومات، والاستعدادات جارية لصراع واسع النطاق. وبالتالي وفي ضوء ما سبق، هناك أسباب للاعتقاد بأن المعارك الرئيسية للصراع العالمي الحالي ستدور رحاها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، و أوكرانيا مجرد مناورة لصرف انتباه روسيا، بحسب الخبير.