لمى عباس.. “سفر الأرواح” فطرة الروح الأولى
من الشعر وديوانها الأول “صهيل الغمام” عام 2015 إلى الرواية التي دخلت عالمها عام 2017 تحت عنوان “ست ساعات” لخَّصت الأديبة لمى عباس ما عاشه الإنسان السوري خلال سنوات الحرب وتضحيات الجيش العربي السوري، مؤكدة بذلك على دور الإنسان السوري بشكل عام والمثقف بشكل خاص ليكون جنباً إلى جنب مع الجندي السوري في معركته ضد الإرهاب وفي تحقيق الانتصار لسورية، مشيرة إلى أنها وبعد أن اختصرت فصول الحرب على سورية في تلك الأعمال كان لا بد لها من كتابة روايتها الشعرية “سفر الأرواح” لتكون محطة جديدة تدعو فيها إلى فطرة الروح الأولى لنتجاوز الحرب، فدون المحبة والسلام والتآخي بين أبناء الوطن لن يكون هناك انتصار حقيقي برأيها.
الشعر باقٍ
تشير عباس إلى أنها في “سفر الأرواح” حاولت أن تجمع بين جنسين أدبيين هما الشعر والرواية، رغم قول البعض إن الشعر في تراجع، مؤكدة أن ما قامت به مغامرة بجرأتها على استعادة الشعر في الكتابة، وأنها ترى أن الشعر له مقامه وليس في تراجع، بل إن أرواحنا هي التي تراجعت وكذلك عقولنا وطريقة تفكيرنا، فالشعر باقٍ برأيها طالما الروح باقية، وهي ستبقى تحلّق بالحرف وتسافر معه ولا تشعر أن هناك من يمكن أن يُعبّر عن روحها ويصبّها في حروف إلا الشعر الذي التجأت إليه لأنه لا يمكن التعبير عن هذه المغامرة إلا بالتحليق عالياً عبره، وأن الرواية جوهرها بسيط وقائم على فكرة تقمّص الأرواح، فهي تحكي عن روحين سكنتا أربعة أجساد بمراحل مختلفة من الزمان والمكان ليكون السؤال: “هل ظلّت هذه الأرواح محافظة على جوهرها؟ أم أن ظروف المكان والزمان والعادات والتقاليد غيّرت من جوهر أرواحها؟”، موضحة أن التقمّص لا يحدث لأفكار فقط بل لدول وحضارات، والرواية تدعو فيها للتساؤل وقالت كل ما تريده، متمنية أن يصل ذلك إلى القارئ، مبيّنة -وهي رئيسة مجلس إدارة جمعية “استبرق” الخيرية لذوي الشهداء والجرحى- أن ريع كل أعمالها يذهب لهذه الجمعية انطلاقاً من إيمانها بدور الإنسان، سواء أكان أديباً أم إعلامياً أو عاملاً في ترميم مخرجات الحرب.
المغامرة والتمرد
ويرى الإعلامي والناقد عمر جمعة أن كتابة عباس لرواية شعرية ما هي إلا رغبة جامحة في المغامرة والتمرد على الشكل والأسلوب التقليدي لكلا الفنّين المتجاورين، وإضافة شيء مختلف عن كتابيها السابقين ديوان “صهيل الغمام” ورواية “ست ساعات”، حيث يجد القارئ نفسه فيها في غابة من الأسئلة ومتعة السرد وطريقة توظيفه والإبحار في بلاغة الشعر وكثافته، وفلسفة عميقة أرادتها عباس واسعة الدلالات مفتوحة على التأويل لتقول إن حكاية حبيب وليلى وجود وسليمى هي حكاية كل سوري عاش ويعيش وسيعيش على هذه الأرض المباركة بالحب وسير العشاق، وحضور لكل الجغرافية السورية مترامية الضفاف والمهدّدة اليوم بهويتها ومكانتها وأمكنتها العصيّة على الفناء، لتكون رواية حافلة بالأحداث والامتداد الزمني، وقد تمكنت الكاتبة فيها ببراعة وإتقان من المماهاة بين ما هو نثري سردي وما هو شعري ليتجوهر ذلك كله في قالب جديد خرجت به عن الرتابة والتقليدية نحو الرشاقة في التعبير والاقتصاد في اللغة واختزال الشخصيات ليعبر القارئ بسلاسة بين الأحداث وتتحقق له ثنائية التلقي في الإمتاع والإقناع، حيث تراهن عباس المثخنة بجرح وطنها المذبوح وإنسانه المقهور الذي تكالبت عليه الطعنات حتى من أقرب الناس إليه كما جرى مع حبيب، وترى أن الوطن الذي نسمو به ينبغي أن يسمو بنا كتّاباً ومثقفين، نبنيه ليس بدماء الشهداء وحكايات من تعشَّق بترابه فحسب وإنما في اجتراح كل أسباب الحياة التي رسمتها سليمى في الفصل الثاني من هذه المدونة. ويختم جمعة كلامه بالتأكيد على أن عباس في خطوتها الثالثة تمضي نحو محراب الأدب بكل ثقةِ وعنفوانِ المبدعِ الذي يعرف أهداف ومآلات ما يكتب.
رواية تليق بالحياة
ويؤكد الناقد أحمد هلال أن الكاتبة في روايتها تصالح الرواية بالشعر، وقد ذهبت بشخوصها وخطاب مقولاتها ليس إلى تدوين وتوثيق الحرب بل لتسجل بطولة الروح السورية وقوة الكلمة في زمن الحرب، وبالتالي فهي عندما كتبت “صهيل الغمام” وأخيراً “سفر الأرواح” أرادت أن تقول إن الرواية تنفتح على غير جنس إبداعي ليس بمعنى التداخل بل بمعنى الحوار، لذلك أرادت أن تعيد إلى المشهد الثقافي هذا الإرث الذي في ذاكرتنا وهي الرواية الشعرية، وتطرح من خلاله علاقة الجنس الإبداعي بغيره لتبيّن أن الرواية القابلة لاستيعاب غيرها من الأجناس هي رواية تليق بالحياة، مشيراً إلى أن ما يميّز كتابات عباس أسلوبيتها الجذابة ومعجمها الغني وإيثار الموضوعات القريبة من الوجدان السوري المعاصر عبر الشعر واستنهاض خطاب أدبي فيه شيء من الاختلاف والجمال.
بعيداً عن السرد
ويوضح د. إبراهيم منصور أن الكاتبة في “سفر الأرواح” استثمرت التقمّص لإيصال رسالة تقوم على التشابه الكبير بين الفترة الحمدانية والفترة التي نعيشها، حيث القواسم مشتركة بين الفترتين في إطار تجربة حب بين رجل وامرأة، وأن الرواية ليست قائمة على الحدث، وما يميّزها لغتها الممتعة البعيدة عن السرد، مفتوحة الدلالات التي لا تنتهي، فكل قارئ يرى فيها ما هو مختلف.
أمينة عباس