“البروفيسور” في مهرجان حمص.. صراع تخسر فيه القيم المعرفية العقلية
ضمن عروض مهرجان حمص المسرحي تقدم فرقة سوا عرضها المسرحي الكوميدي “البروفيسور” تأليف وإخراج رواد الإبراهيم، تمثيل مجموعة من الشباب الموهوبين.
رواد في هذا العرض يبقى ضمن المنهج الواقعي المباشر الذي اشتغل عليه في عرضه السابق “الرهان الأخير” الذي سعى من خلاله إلى خوض تجربة المسرح التهكمي الساخر، متأثراً إلى حدّ ما بمسرح “الشوك” (عمر حجو ودريد لحام وغيرهم) من الرواد، من حيث النص والأسلوب الذي يعتبر الممثل هو سيد الخشبة الأوحد وعليه تقع مسؤولية إيصال فكرة النص إلى المتلقي دون أية عناصر مساعدة، ولهذا فهو أمام اختبار صعب للقدرات الإبداعية والهفوات الارتجالية، ويمكن القول إنه مع مجموعة من الهواة استطاع تحريك المياه الراكدة في حركة المسرح بحمص، والتي تقوقعت ضمن نصوص ممسرحة ممجوجة إلى حدّ كبير، في استنساخ متكرر يفتقر إلى الاجتهاد والتجديد، سواء على صعيد النص أو الرؤية الإخراجية.
هذا التأثر لا يعني أن العرض يرتقي إلى هذه السوية التي حققها قديماً مسرح “الشوك”، لكنها محاولة جريئة للتغريد خارج السرب، وتبني واستلهام قضايا المجتمع وإشكاليات الواقع كما هي دون مبالغة أو تهويل.
نستطيع القول إن هذا العرض كان أكثر نضجاً واتزاناً واحترافية مقارنة بعروضه السابقة، رغم تورطه ببعض المشاهد الممجوجة والمبتذلة التي تتكئ على اللهجة العامية لفئة اجتماعية ما تنسب إليها ومن خلال رمزية اللهجة الكثير من علل المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
قضية أخرى يمكن الإشارة إليها في هذا العرض وهي محاولة المخرج الخروج من البناء المسرحي الجماهيري، إلى الدراما المسرحية التلفزيونية، فالكثير من المشاهد تبنى على أسلوب تجاهل الجمهور، وخاصة المشاهد المونودرامية للدكتور ماجد الذي لانعرف هل هو يخاطب ذاته كمونولوج داخلي أم يخاطب الجمهور، في المشهد الأول نراه يخاطب الكتب في مكتبته الصغيرة ضمن مونولوج يسخر فيه من دراما البيئة الشامية التي تنفق عليها مليارات الليرات دون أن يكون لها أية قيمة إنسانية أو ثقافية، لكن الدكتور ماجد في مشاهد أخرى نراه يلقي خطباً ومواعظ يحلّل فيها تناقضات الواقع والإشكاليات المولدة لأزمته وأطراف الصراع داخله التي يقسمها إلى أربعة أطراف، منها مهندسو اللعبة ورهبان الحقيقة الذي هو يمثلهم كأصحاب المعرفة والعقول النيرة، وكذلك أصحاب العدالة، والفئة المظلومة، دون أن يجترح خارطة طريق تخرجنا من دهاليز النفق المظلم الذي ندور حول أنفسنا في غياهبه.
النص كما هو عادة معظم الأعمال الواقعية يطرح المشكلة التي يعرفها كل الناس، دون أن يقدّم خارطة طريق لحلها، لذلك أصبح جلّ هذه النصوص مبتذلة، تطرح صراع الخير والشر والغلبة يقررها الكاتب، وهنا في “البروفيسور” ينتصر الشر والجهل والفساد على الحقيقة والمعرفة والخير، عندما يقيد الدكتور ماجد بقميص المجانين.
يبنى العرض على ستة مشاهد لا تأخذ شكل الحكاية المتسلسلة، بل هي مشاهد بطلها الرئيسي وشخصيتها المحورية الدكتور ماجد “البروفيسور” رمز المعرفة والحقيقة الذي يتنقل بين مشهد وآخر في مواجهة خاسرة دائماً مع مظاهر الانحلال الأخلاقي والانحراف القيمي في المجتمع التي تمثلها شخصية أبو فادي ومحيطه.
يمكن تصنيف العرض ضمن الأعمال الاحترافية نصاً وأداء، وفيه يحقق المخرج قفزة نوعية بعيداً عن عروضه السابقة، ويمكن أن يرفع الستارة عن مواهب خلَّاقة ومبدعة في التجسيد المسرحي وهم: علي الصالح، سلمان العلي، سام الرياني، محمود عبد الله، علي الخضر، سلمان سليمان، محمد ديوب، وئام بدرة، مريم علي، ساندي الحسن.
آصف إبراهيم