تشاركية الدعم “الخيري”؟!
دمشق- بشير فرزان
بينما تنشغل العديد من الوزارات في قضية توجيه الدعم لمستحقيه، نجد أن مؤسسات حكومية أخرى وأهلية أيضاً تغرق في زحمة التحديات والمشكلات التي تواجهها ضمن معادلة المستحق وغير المستحق في العمل الخيري، بحضور الكثير من نقاط الاشتباه والتماس في التجاوزات والمخالفات، وهذا ما يضع كلا الملفين تحت مجهر المحاسبة والمساءلة، والبحث عن مسؤولية الفساد في تأزم الواقع، خاصة مع تأرجح القرارات التي يبدو أنها ستنتج المزيد من الملفات الاجتماعية والحياتية الضاغطة بشدة، سواء على المؤسسات التنفيذية المعنية: “وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل”، أو على تلك الموجودة داخل المجتمع تحت عنوان أهلية أو خيرية، وبشكل ينبئ بانهيار المنظومة المجتمعية التي تقهقرت بفعل الأزمات والهزات الاقتصادية العنيفة التي ضربت وتضرب مرتكزات الاستقرار بكل أشكاله.
ما يثير الغرابة أنه رغم العديد من القرارات والتشريعات، سواء المتعلقة بمنظومة القروض الوظيفية، أو فيما يخص المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، نجد أن الوقائع لا تخدم بنتائجها المتواضعة هذا المسار، وبات كل ما قدم ويقدم عرضة للتهالك المالي السريع، وذلك ضمن المواجهة المباشرة مع أعباء وتحديات كثيرة لا يمكن تجاوزها أو التغلب عليها بمصادر التمويل ذاتها التي لم تعد قادرة على سد الفجوات الضخمة وترميم الدخل نظراً لتضاعف الأسعار، ولضخامة الخسائر في أي مشروع، أو حتى في قرض وظيفي لا يكفي لشراء محروقات الشتاء، أو مصروف شهر استهلاكي واحد، ويكفي هنا أن نذكر تأمين بعض المتطلبات الغذائية الرئيسية لندرك تماماً مدى تسارع نزول الخط البياني للدخل مقارنة بتصاعد الأسعار بكل مسمياتها؟.
لا شك أن الحال ذاتها تواجهها الكثير من الجهات التي تعتقد أنها قطعت شوطاً كبيراً في العمل الأهلي المجتمعي، والتي لم تعد قادرة على تغطية الكثير من النفقات الخيرية لقلة مصادر التمويل، وانخفاض موازناتها، عدا عن أنها عالقة في شبكات المصالح الشخصية، أو ما يعرف بـ (الأنا المجتمعية)، وطبعاً لا يُستثنى من ذلك أحد، حيث يسود التعميم، ووضع كل من يعمل تحت راية الجمعيات الأهلية والخيرية في خانة المستفيد، وفي المقابل هناك الكثير من القضايا المتعلقة بعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي لم تستطع حتى الآن تفعيلها والانطلاق بها بشكل حقيقي، وهناك العديد من الشواهد والدلائل المستنبطة من الواقع، فقد عجزت عن تفعيل نظام البطالة والتقدم الاجتماعي الذي تحاول الوزارة إسقاطه اليوم على “صندوق التعطل عن العمل”، وهذا ما يؤكد تقصيرها وتأخرها في تطبيق هذا النظام الهام.
ومن المؤلم بعد هذه السنوات الطويلة في غمار الحرب أن الوزارة لم تستطع الخروج برؤية أو بآلية ناجحة لاستثمار رأس المال الاجتماعي بشكل فعال، بمعنى أنها لم تصل بعد إلى مستوى التخطيط لتقديم معونات حقيقية للمحتاجين لا تقف عند حدود الدعم المادي، بل يندرج ضمنها تأمين فرص عمل عبر بوابات حقيقية وفعلية للعاطلين عن العمل، وبشكل يسهم بخفض العبء الاجتماعي والاقتصادي داخل المجتمع بدلاً من استمرار عملية استنزاف العمل الإنساني، والانشغال في دوامة المستحق من غير المستحق، وتشجيع الاتكالية، والاتكاء على المساعدات.
بالمختصر، التشاركية التي تجمع بين الملف الخيري، وملف الدعم، وملف الإقراض، والمشاريع لناحية النتائج وعدم تحقيقها الأهداف المرجوة منها مقارنة بالواقع المعيشي والمالي الجديد، تستدعي عملاً سريعاً لإدارة هذه الملفات بطريقة أكثر فاعلية وتواجداً في الحياة العامة، وبذلك يمكن أن تكون هذه التوجهات قاطرة للوحدة الاجتماعية والإنسانية، ورافعة قوية للجهود المبذولة في مسارات العمل الاقتصادي المعيشي، وتقديم يد العون والمساعدة بمختلف أشكالها للمواطن السوري؟