استعادة الثقة والبناء للمستقبل مطلوبان بعد الفوز التاريخي على تونس
ناصر النجار
حقق منتخبنا الوطني بكرة القدم فوزاً تاريخياً على تونس كان الأجمل والأقوى والأكبر في هذه السنوات الغريبة العجيبة من عمر كرتنا الموشّح بسواد الإخفاق والاختلاف والخلافات، وبغض النظر عن كل الظروف التي خدمت منتخبنا بالمباراة، إلا أن الفوز كان ضرورياً وجاء بوقته، ويمكن البناء عليه للمستقبل القريب والبعيد، لكنه لا يعني أن مشاكل كرتنا انتهت، وأن كل العثرات والعقبات التي ابتلينا بها زالت في ليلة قمرية منيرة، فتيتا لا يملك العصا الذهبية السحرية التي حوّلت منتخبنا من منتخب ناعم إلى منتخب شرس، والنظريات الكروية التي ابتدعها لم يكن يجهلها كل المدربين السابقين، وإنما هناك معطيات يجب الأخذ بها، وهناك ظروف يجب استغلالها ليعود التوازن إلى منتخبنا.
لكن الغريب الذي فاجأنا بهذا الفوز هو الكم الهائل من الثقافة البالية التي يملكها البعض ممن يدعون الفهم والخبرة، وظهر ذلك من خلال التحليل بأن التوجّه باستثمار الفوز هو استثمار شخصي لدعم أشخاص، ولمحاربة أشخاص، وهذا الاستثمار هو أخطر من كل النتائج السلبية التي حققتها كرتنا.
هنا نجد أن البعض يتصور أن الفوز وقع لأن طواويس المنتخب السوري ابتعدوا، هذا الكلام لا يجوز لأنه غير منطقي، مع أن اللاعبين الذين صنعوا الفوز على تونس بالأمس كان يشتم من أجلهم المحروس لأنه يشركهم في المباريات على سبيل المثال، كما أن اللاعبين الذين سجلا هدفي الفوز على تونس هما أكثر اللاعبين انتقاداً في الفترة السابقة، وكانت جماعة الصحافة الصفراء تلوم المدرب على إشراكهم، لكنهم تحوّلوا إلى أبطال حقيقيين بين ليلة وضحاها، وهذا هو التقييم العاطفي الذي ابتلينا به، وبهكذا فكر تبنى كرتنا للأسف.
الفوز كان رائعاً وكبيراً ويمكن البناء عليه واستثماره، لكنه لم ينه أية مشكلة من مشاكل المنتخب، ولم يشف كرتنا من آلامها وأوجاعها.
كرة القدم رياضة مبنية على العلم وعلى الرقم، والتحليل المنطقي لمباريات المنتخب يجب أن تكون مبنية على الرقم قبل العاطفة، فجيش الإداريين والفنيين لم يتغير منذ زمن المعلول، واللاعبون هم أنفسهم، ويمكن القول إنه أضيف إليهم بعض اللاعبين الذين صنعوا الفوز الأخير.
كرة القدم لا تعتمد على نتيجة مباراة أو مباراتين، ولا يمكن إنهاؤها بخسارة أو خسارتين، وهذه النتائج التي نراها في كأس العرب خير دليل، ومن المفترض أن نستثمر هذا الفوز في البناء الكروي الصحيح، فنرى الملاعب مزدهرة وقد أصلحت، وأمراض كرتنا بدأت تميل للشفاء، وخطوات العمل الصحيح وضعت أفكارها النيّرة على طريق التنفيذ العملي.
عموماً الفوز على موريتانيا بات مطلب الجميع، وهو مطلب جماهيري، ولا نظنه ببعيد عن منتخبنا وهو في قمة أدائه وروحه المعنوية العالية، والدخول في ربع النهائي صار واضح المعالم، سهل العبور إليه، وهنا نجد أن كرتنا استعادت مكانتها، وعليها أن تثبت مقدرتها بمقارعة الكبار، فمن يهزم تونس قادر على أن يهزم كبار الكرة العربية، إلا إذا كان الفوز على تونس لا يعدو أكثر من طفرة من طفرات رياضتنا.