اقتصادصحيفة البعث

في حديث “الري الحديث”!

قسيم دحدل

يكاد لا تخلو ذاكرتنا الجمعية التاريخية: الاجتماعية والاقتصادية من عِبر شكّلت حصيلة تراكمية لتجارب أجدادنا، الأهم فيها أنهم خلصوا منها إلى خبرات غنية لا تقدر بثمن في شتى مناحي الحياة، فصاغوها في معادلات قيمية بشكل أمثال شعبية بسيطة في كلماتها وجملها، لكن معانيها ثرة تصلح لكل زمان.

هذه الخلاصات (العِبر) التي جسّدوها بالأمثال، لو كنا درسناها واهتممنا بمضامينها بالقدر الذي تستحق، وعملنا على الاستفادة منها، لجنّبتنا الوقوع في الكثير من المشكلات العويصة التي يتكرر وقوعها نتيجة لعدم مبالاتنا، وعدم تقديرنا لقيمتها وقيمها، وما يمكن أن نحصده من الفوائد والعائدات المالية والتنموية.

على سبيل المثال لا الحصر على تلك العبر مَثلان هما مقصدنا لطرح ما نريده في هذا المقام: “كل شيء في وقته حلو”، و”لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد”.

“الري الحديث” هو مبتغانا هنا، لأنه العنوان الذي طالما طالعتنا به وزارة الزراعة، ومن خلفها الحكومة، عند كل مفصل من مفاصل التغير المناخي عامة، وفي منطقتنا خاصة، لاسيما في ظل ما بدا يتوضح بشكل جلي من تعاقبات في سنوات الجفاف وشح الأمطار، والانعكاسات السلبية القاسية لذلك على قطاعنا الزراعي، وكفاءته الإنتاجية، وبالتالي على أمننا الغذائي الذي، رغم كل إشارات الخطر الحمراء، ورغم كل الدراسات العالمية وحتى الوطنية، وسيناريوهات التغير المناخي وعواقبه علينا تحديداً، لم نصل للحدود المقبولة من إنجاز ما كان يجب الانتهاء منه في وقته ومكانه على صعيد المشروع الوطني لتوطين الري الحديث في سورية!.

بالأمس أعلنت وزارة الزراعة عن عودة العمل بمشروع التحول بعد توقفه لثماني سنوات، وكانت العودة بهدف دعم المزارعين، وتغطية أكبر عدد من المحافظات، كما أعلنت عن أنه قد تم تخصيص المشروع بـ 22 مليار ليرة من موازنة الوزارة للسنة القادمة.

بناء على ما أُعلن، نود التصحيح والقول: إن عودة العمل بالتحول للري الحديث كانت في عام 2018، ويومها تم تخصيص أكثر من 2 مليار ليرة لتغطية تحويل المساحات الزراعية في ذلك العام، حيث تم تحديد المساحة التي يجب أن تنفق فيها تلك الأموال وتُدعم، ولكن لم يتم إنجاز ما يتوجب، وهذه المرة لم تكن الأزمة هي سبب التأخير في تنفيذ المقرر والمعلن، بل كان بكل صراحة التراخي والمماطلة في تنفيذ ما كان من أولويات، إلا أنها تعرّضت للتغيير ربما لصالح ما فيه مصالح للبعض، علماً أن مديرية الري الحديث في وزارة الزراعة كانت قد أنجزت الكثير في ملف الري الحديث، وكانت الشركات المتخصصة بتصنيع تجهيزات ومعدات توطين الري الحديث جاهزة للمباشرة في عامي 2018 و2019، إلا أن الطارئ في ارتفاعات سعر صرف الدولار وعدم تثبته وارتفاع الأسعار، كان الحجة “الموضوعية” لمبرر التوقف عن أي شيء، وهكذا دواليك من أدوار وأعذار لا تتناسب مطلقاً مع أولوية التحول، وضرورة التحوّط من القادمات!.

لكن الحقيقة أن اللجنة الوزارية العليا المعنية بإقرار ما يجب إقراره في الوقت والزمان المناسبين تراخت كثيراً في عقد اجتماعاتها، ففات ما فات من منافع، وهدر ما هدر من عوائد تقنيات توطين “الري الحديث”، ومنها وفر مائي يقدر ما بين 35 و50%، وإنتاجية ومحاصيل أوفر وأفضل.. إلخ!.

على ما يبدو أن المعنيين بالأمر كانوا يفضّلون وينتهجون “كل تأخيرة فيها خِيرة” على “كل شيء في وقته حلو”، متناسين أن 60% من صادرات قطاعنا الزراعي كانت طوال سنوات الأزمة من الخضار والفواكه!.

ليس ختاماً، ندعو ألا ندفع الثمن باهظاً لأننا أجّلنا عمل اليوم إلى ما بعد بعد ثلاث سنوات!.

Qassim1965@gmail.com