ظاهرة التسول ..تنام واضح في حضرة اقتصاد الحاجة ..وحلول معلقة على أمل الانفراجات المعيشية
دمشق..محسن عبود
تعد ظاهرة التسول من أخطر الظواهر التي تلعب دوراً سليباً على الحياة الاجتماعية في جميع المجتمعات لما لها من تأثير يمتد إلى أجيال إن لم تجد الجهات المعنية الوسائل والطرق التي تمكنها من الحد قدر ما أمكن للقضاء على هذه الظاهرة التي تهز المجتمع اجتماعياً وإنسانيا حاضراً و مستقيلاً ، وعلى الرغم من تناول هذه الظاهرة في جميع وسائل الأعلام إلا أنها بقيت تقلق الجهات المعنية في بلدنا وفي مقدمتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والمجتمع المحلي بالرغم من بذل كل الجهود إن لم يكن القضاء عليها فالحد منها ما أمكن .
وللعم فقدانتشرت ظاهرة التسول في مجتمعنا ما قبل بدء الحرب على سورية ولكنها توسعت و انتشرت بشكل أكبر منذ بداية هذه الحرب وكذلك مع بدء الحرب والحصار الاقتصادي على اقتصادنا الوطني وبالتالي لاحظنا انتشار الفقر والعوز بين أفراد المجتمع ، وهذا شكل حالة غريبة عن مجتمعنا لما كنا نتمتع به من تكافل اجتماعي ساهم بشكل تقريبي في اختفاء هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا .
ولمعرفة الكثير من الخفايا عن هذه الظاهرة التسول التقت البعث العديد ممن يسلكون هذا الطريق والبعض الآخر يمتهن هذه الظاهرة كمهنة لما تحققه له من دخل يفوق ما يتوقعه أي منا0 ..جورية أم عصام التي قالت أنها قبل بدء الحرب كانت تعيش مع زوجها التي افتقدته خلال الحرب على أيدي الإرهاب فلجأت إلى مغادرة المنطقة التي كانت تعيش فيها الغوطة الغربية مع أولادها لتستأجر بيت صغير في ضواحي دمشق ولكن الزمن أجبرها على اللجوء لسلوك هذا الطريق / التسول / بالرغم من خطورة ومساوئ هذه الظاهرة ولكنها أجبرت على ذلك حفاظاً على كرامتها وسمعتها مع أولادها الخمسة والذي أغلبهم طلبة مدارس ولتعيلهم وتقدم لهم أدنى متطلبات الحياة وخاصة مستلزماتهم المدرسية وأكدت أنها كانت تتلقى مساعدات من أهالي الحي الذي أقامت فيه ولكنها لا تكفي لإعالة أسرة بحجم أسرتها التي أرهقتها الحياة لتلبية متطلباتهم .
طارق وهو في عمر الخامسة عشرة من عمره بين أنه لجأ إلى دمشق مع عائلته التي حاصرها الإرهاب في ريف دمشق وأجبرها على الرحيل عن تلك المنطقة ليستقر بهم الرحيل بحي شعبي استشهد فيه العشرات بسبب القذائف التي كان يطلقها الإرهابيون واستعرض رحلته قائلاً كنت في سن مبكرة أذهب كل صباح إلى عدة شوارع بدمشق لجمع ما يكفي مصروف لإخوتي ما أبعدني عن المدرسة حيث كنت من المتفوقين في مدرستي وكنت أتوقع أنها مرحلة قصيرة ونعود إلى بيتنا ولكن الحرب استمرت لسنوات وازدادت قساوة في السنوات الأخيرة التي عانينا فيها كما أغلب السوريين الذين استمروا بالعيش والبقاء في البلد منوهاً أنه لم تعرض عليه أية جهة أية مساعدة ليعود مع أسرته إلى بلدته التي رفض ذكر اسمها 0قائلآ عندما أعود إلى بيتي الأصلي سأعمل على التسجيل في المدرسة بالرغم من ابتعادي عنها لسنوات مضت ، متحسراً على كل سنة دراسية ذهبت من عمره مؤكداً أن بقاء أخوته وأسرته على قيد الحياة كانت الأهم بالنسبة لطارق
السيدة سكينة أم محمد من أهالي منطقة الغوطة الشرقية أخذت تجهش بالبكاء على سنوات قضتها مع أسرتها المؤلفة من تسعة أفراد وأخذت تقاسي الحياة لكي تبقى هذه الأسرة على قيد الحياة وقالت بصراحة أن الجهات المعنية بمكافحة ظاهرة التسول طلبت منها الإقامة في مكان مخصص للمهجرين ولكنها رفضت نظراً لما يدخل عليها من مبالغ هي وأولادها الموزعين في كذا شارع بدمشق وأشارت أن هذه المهنة بالرغم من قساوتها وخاصة لمن لا يسلكها من قبل إلا أنها مربحة وتجعلنا نعيش حياة جيدة من الناحية المادية ،وأكدت أولادها لم يغادروا المدارس وهم من الأولاد المجتهدون بمدارسهم التي تقدم لهم بعض المساعدة ، كما التقت البعث بالسيد أبو حبيب القادم من محافظة دير الزور إلى دمشق وقالت منذ عام 2013 لجأت إلى دمشق مع أسرتي المؤلفة من تسعة أولاد وبدأت أبحث عن عمل فوجدت عمل ولكن دخله لا يكفي أسرة بعدد أفراد أسرتي إلى أن أخذت قرار ندمت عليه مؤخراً لما له من سمعة سيئة تلاحقني أينما حللت وهو سلوك طريق التسول مع عدد من أولادي الذين تركوا المدرسة والذين عادوا إليها عندما تحسنت أحوالنا إلى حد ما بفضل أصحاب الخير في مجتمعنا وقريباً جداً سأترك هذه الظاهرة لأني وجدت فرصة عمل في معمل بلوك بإحدى مناطق أطراف دمشق وأرجو الله أن يساعدني لإعالة عائلتي حتى نكون قد استطعنا العودة إلى بيتنا الأصلي في ريف دير الزور ,وأنا أناشد جميع من يسلك هذا الطريق أن يبتعد عنه لما له من أثار اجتماعية كارثية على المجتمع والأسرة حيث ابتعاد الأطفال عن مدارسهم في سن مبكرة نظراً لتواجد المال بين أيديهم وكثير من الأحيان تكون المبالغ كبيرة فينسى الولد المدرسة ،ويصبح همه الأول والأخير هو جمع المال حتى لو كان ليس بحاجة له وأنا تعرفت على عدة أشخاص يمضون يومهم بالتسول وفي آخر النهار يحصلون على مبلغ يساوي راتب موظف دولة شهرياً وبالرغم من توقيف العديد من المتسولين إلا أنهم يعودون لممارسة هذه الظاهرة بالرغم من ملاحقة الجهات الحكومية المعنية لهم ولكن يتغيبون لوقت ثم يعودوا لممارسة إذا صح أن نسميها مهنتهم الرابحة
الأخوين عقيل ومهدي أكدا “للبعث الأسبوعي ” أنهم يتسولون لكي يوفروا اللباس والطعام والدواء لأسرتهم ولكي يأكلوا سندويش الشاورما والكولا وهي عملية رابحة حيث تدر علينا يومياً مبالغ متفاوتة ولا نبذل بها أية جهود
عاصم أبو كاسم لجأت إلى شوارع دمشق بعد أن فقدت أولادي الاثنين الذين غادروا البلاد ونسوا أهلهم وبعد أن توفيت زوجتي التي كانت تعاني المرض وأنا بهذه الحالة أعمل أيضاً لتقديم المساعدة لأختي الأرملة مع أولادها 0وخلال جولتنا بدمشق شاهدنا العشرات من أبناء المحافظات الآخرى وخاصةً الشرقية كانوا ينتظرون في ساحة المرجة أموالاً أرسلها لهم أولادهم الذين غادروا البلاد ولمساعدتهم في حياتهم المعيشية 0
وأخيراً نطالب الجهات المعنية بمعالجة ومواجهة هذه الظاهرة الخطيرة على حياة مجتمعنا بضرورة بذل كل الجهود لمواجهتها وإيجاد الحلول المناسبة لها خوفاً من انتشارها بشكل أوسع في جميع المحافظات .