مفاوضــات فيينــا.. والحَوَل الاستراتيجي عن نووي الكيان الصهيوني!!
البعث الأسبوعية – أحمد حسن
ربما كان من النتائج الغير مباشرة لمفاوضات «فيينا» حول العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» – التي وقعتها إدارة باراك أوباما مع طهران عام 2015- العودة، ولو الخجولة والمبتسرة، إلى فتح ملف النووي «الإسرائيلي»، ولو على نطاق محدود لكنه هام ولافت، بهدف تصحيح «الحَوَل» العالمي الفاضح حول «النووي الإسرائيلي».
لحظة «فيينا»!!
يتفق المراقبون بأغلبيتهم على أن إيران وصلت إلى لحظة «فيينا» الحالية وكفتها راجحة، أخلاقياً وعملياً وتفاوضياً، على الكفة الأمريكية في صراع الإرادات الشرس الذي تخوضانه في الطريق إلى العودة إلى الاتفاقية النووية، فشكل هذه «العودة»، الحتمية كما يبدو الأمر، وظروفها واشتراطاتها -وأغلبها يتجاوز قصة النووي- هو ما سيحكم مستقبل منطقتنا بأسرها وطبيعة موازين القوى فيها في المرحلة المقبلة.
والحال فإن هذا الرجحان الإيراني يمكن قراءة مؤشراته على لسان أعداء طهران قبل حلفائها، فليس عابراً أن يعلن بالأمس القريب معارض شرس للاتفاق الأصلي مثل «موشيه يعلون» -وكان يشغل عام 2015 منصب وزير الدفاع «الإسرائيلي»- أنه «وعلى الرغم من سوء هذه الصفقة، فإن قرار ترامب الانسحاب – بتشجيع من نتنياهو – كان أسوأ»، مضيفاً أنه كان «خطأً رئيسياً شهده العقد الماضي فيما يتعلق بالسياسة من إيران».
فالرجل، بحكم موقعه، يعرف جيداً أن كل الطرق الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية قد جُربت لاحقاً مع ايران لإجبارها على العودة وفق دفتر الشروط الأمريكية –الإسرائيلية دون فائدة بل إنها انعكست سلباً على أصحابها بحيث أن «الجزر» لدى واشنطن، «أصبح أقلّ طعماً، وعِصيّنا أقلّ حدّة»، على ما قال أحد كبار الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين.
بدوره اعتبر «توماس فريدمان»، وهو من هو في التعبير عن لسان حال السياسة الأمريكية، أن قرار الخروج «الترامبي» كان خطوة كارثية على الولايات المتحدة و»إسرائيل»، فقد كان القرار «الأغبى، والأسوأ تقديراً وترك أكبر نتائج عكسية من بين قرارات الأمن القومي الأمريكي في حقبة ما بعد الحرب الباردة».
هذه اعترافات حديثة وهي غيض من فيض وتكاد تعم الطبقة السياسية في الولايات المتحدة و»إسرائيل»، وبقية أنحاء العالم بالطبع، ما عدا بعض الدول العربية!!، دون أن نغفل أن واشنطن تملك ما يسمى بـ»الخطّة ب»، وتملك الوسواس الخناس «الإسرائيلي»، وقد تفعلها في لحظة جنون استراتيجي حتى لو بنتائج كارثية على الطرفين وعلى العالم بأسره، لأن الأمر في النهاية يتعلق بمستقبل امبراطورية كاملة في مرحلة انحدار، وتلك لحظات خطرة في حياة البشرية كما يعلّمنا التاريخ.
ماذا عن الحَوَل النووي العالمي؟
والأمر، فإن الخشية «الإسرائيلية» من نتائج «فيينا» و»وسوستها» المستمرة في الأذن الغربية، والأمريكية خاصة، لا تتعلق فقط بالخوف من ازدياد قوة ايران وتعزّز موقعها في اللعبة الإقليمية والدولية، بل تنبع في جزء مؤثر منها من ازدياد عدد العيون -ونوعيتها- التي بدأت تتفتح على ملفها «النووي» المسكوت عنه عالمياً وعربياً في تواطأ لافت وغريب، بما يعني البدء، ولو بصورة خجولة، بتصحيح مسار الحَوَل الاستراتيجي العالمي الملازم لقضيتها.
وفي هذا السياق كان من اللافت للغاية أن تقوم صحيفة «نيويورك تايمز»، بما ومن تمثل في السياسة الأمريكية، بافتتاح هذا المسار وربطه بالملف النووي الإيراني حين اعتبرت أنه «من دواعي السرور أن يتوقف قادة أمريكا عن الكذب»، بعد أن شغلوا العالم خلال الفترة الماضية بنووي إيران لأنه «سيؤدي إلى تدافع نووي في جميع أنحاء الشرق الأوسط»، «وكأن منطقة الشرق الأوسط خالية منه في تجاهل تام ومتعمد للترسانة الإسرائيلية النووية الموجودة منذ نصف قرن على الأقل» دون أن يجرؤ أحد على الكلام عنه، ودون أن تسمح «إسرائيل» بأي «عمليات تفتيش دولية لمنشآتها على الإطلاق».
إذاً، «إسرائيل» وليست ايران هي من أشعل سباق النووي في المنطقة، هذا أمر يعرفه الجميع ولكن اعتراف «النيويورك تايمز» بهذه الحقيقة وفي هذا التوقيت يعني الكثير.
المعضلة العربية!!
بالنسبة لأهل المنطقة وشعوبها فإن المشكلة ليست مشكلة كذب واشنطن فقط بشأن المسؤولية عن السباق النووي، فهذا أمر معتاد عندنا، بل أيضاً، وأولاً، المشكلة تكمن في بعض أنظمتنا -العربية منها تحديداً- تلك التي تجد في النووي الإيراني، ما قبل القنبلة، خطراً داهماً «فيما لا ترى في نحو (200) قنبلة نووية إسرائيلية موجودة خطراً محققاً!!»، وهذا حَوَل استراتيجي محلّي نتج بعضه من أوامر عليا من سيد البيت الأبيض، فيما بعضه الأهم ناجم عن أمراض مستعصية لما قبل الدولة (مذهبية، طائفية، عصبية عرقية، وو…).
وإذا كانت «النيويورك تايمز» تقول إنه من دواعي السرور أن يتوقف قادة أمريكا عن الكذب فعلينا أن نقول إنه من دواعي السرور أن يعالج بعض قادة العرب هذا «الحَوَل» المسؤول عن وجودهم في المؤخرة بصورة دائمة، وأن يبادروا، من جهة أولى، لتلقف بدء فتح الملف «الإسرائيلي» والضغط لمعالجته جديَاً بذات الحماسة التي يتلقفون بها «الملف الإيراني» على الأقل، وأن يسارعوا، من جهة ثانية، ما داموا خائفين إلى هذه الدرجة، إلى صنع مشروعهم الخاص، السلمي بالتأكيد، خاصة وأن الأموال وفيرة كـ»الرز» لكنها وعلى ما يبدو لا تُصرف إلا على غزوات القبائل وثارات «داحس والغبراء» البائدة.