الصين على موعد مع العالم في الأولمبياد الشتوي.. وأمريكا تحرج نفسها بالمقاطعة
البعث الأسبوعيّة-سامر الخيّر
تستضيف جمهورية الصين الشعبية في شباط من العام القادم الألعاب الأولمبية الشتويّة، لتكون الحدث الثاني الأضخم الذي يقام فيها بعد أولمبياد بكين عام 2008، وكما كان نجاح التنظيم الأوّل مشهوداً به يتوقع أن تبهر الصين العالم بافتتاح خيالي، ولأننا تعودنا أن ترمى الشجرة المثمرة بالحجارة، يحاول البعض تعكير صفو هذه الاستضافة بحجج مضحكة الغاية منها سياسية محضة، والمحرك لذلك هو الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شهدت الأيام الأخيرة تسريبات مفادها أن إدارة الرئيس الامريكي ستقوم بفرض “مقاطعة دبلوماسية” على دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، دون وجود تأكيدات، ولكنّ هذا لا يعني عدم مشاركة رياضييها في الحدث الشتوي الأبرز.
وتشهد هذه المنافسات كل ذلك الاهتمام لأن مراسم افتتاح أي أولمبياد تعتبر حدثاً استثنائياً مميزاً، وفرصةً فريدةً للدولة المضيفة لاستعراض تاريخها وثقافتها، وما يثير الحنق أن هذه الحملة إن قامت ربما تؤدي إلى امتناع رؤساء الدول وكبار المسؤولين الآخرين عن التواجد في أماكن المنافسات الأولمبية، مع استمرار الرياضيين في التنافس فيما بينهم، وهو ما يتعارض تماماً مع ميثاق الأولمبياد الذي يشدد على فصل السياسة عن الرياضة.
وهذا لا يترك مجالاً للشك أن الهدف الرئيس للحملة سياسيٌّ محض في محاولةٍ لزعزعة قوة وهيمنة التنين الصيني الاقتصادية ودوره في موازنة القوى إلى جانب روسيا الاتحادية، فإدارة بايدن منذ بداية عهدها وضعت الصين كهدف أول لها، فقامت بخطوات عدّة في سبيل تقويض نفوذها الاقتصادي المتنامي، كحرب شركة غوغل بالوكالة على شركة هواوي للتقنيات والاتصالات، ثم مشكلة المشغل الخامس للإنترنت والتي تعتبر سبباً مستمراً في الخلافات بين الصين وأمريكا، والمؤكد أن أي محاولة كهذه سيكون مصيرها الفشل لأن النجاح التنظيمي والنتائج الرياضية ستكون السد المنيع في وجه كل المقاطعين والدليل ماحصل عند استضافة الألعاب الصيفية في بكين.
وهذه ليست المرة الأولى التي جرت فيها مثل هذه المحاولات، فتارةً كانت هناك مقاطعات لأغراض سياسية وتارةً استخدمت الدورات الأولمبية نفسها لأهداف سياسية، ولكن المقاطعة لم تنجح أبدا في منع إقامة الدورات الأولمبية أو تغيير مواعيد إقامتها، كما لم تنجح في تغيير الأوضاع السياسية التي حدثت من أجلها.
فأولى الدورات الأولمبية في العصر الحديث، الدورة التي استضافتها العاصمة اليونانية أثينا عام 1896، شهدت مشاركة المجر ببعثة مستقلة رغم كونها جزءاً من الإمبراطورية النمساوية المجرية، وبرر الفرنسي بيير دي كوبيرتان مؤسس الدورات الأولمبية الحديثة ذلك بأن السياسات الجغرافية الأولمبية تبطل سيادة الدولة، لكن ذلك كله ذهب مع الرياح عندما حرم الخاسرون في الحرب العالمية الأولى ألمانيا والنمسا والمجر وبلغاريا وتركيا بقرار حكومي من المشاركة في أولمبياد 1920 في أنتويرب ببلجيكا كما حرمت ألمانيا من المشاركة في أولمبياد 1924 بباريس، وحدث الشيء نفسه بعد الحرب العالمية الثانية، حيث حرمت ألمانيا واليابان من المشاركة في أولمبياد لندن 1948 .
وفي عام 1936، استغل زعيم النازية الألماني أدولف هتلر أولمبياد برلين كوسيلة للترويج لمبادئ النازية والدعاية لها، كما قاطعت مصر والعراق ولبنان أولمبياد ملبورن عام 1956 احتجاجاً على مشاركة الكيان الصهيوني في العدوان الثلاثي على مصر.
وغادرت 28 دولة أفريقية مونتريال قبل حفل افتتاح أولمبياد 1976 مباشرة احتجاجاً على رفض اللجنة الأولمبية الدولية استبعاد نيوزيلندا من المشاركة في الدورة بسبب زيارة المنتخب النيوزيلندي إلى جنوب أفريقيا الموقوفة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية ذاتها عن المشاركة في الدورات الأولمبية ما بين عامي 1964 و1988 نتيجة سياسة الفصل العنصري التي انتهجتها حكومة جنوب أفريقيا.
وقادت الولايات المتحدة 42 دولة لمقاطعة أولمبياد موسكو 1980، بينما انقسمت دول الغرب حول هذا الشأن، حيث قررت بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى المشاركة في تلك الدورة، وردّ الاتحاد السوفياتي ومعظم حلفائه على ذلك بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلوس 1984 ، حيث وجدت الصين استقبالاً مدهشاً في أول مشاركة لها بالدورات الأولمبية، فيما لم تشهد باقي الدورات الأولمبية بداية من أولمبياد سول 1988 أية مقاطعة، لكن حصلت بعض الأحداث الغريبة التي لها صلة بالسياسة.
وعام 1996 قام ايريك رودولف من اليمين المتطرق وأثناء إقامة أولمبياد أتالانتا في أمريكا بقتل رجلين وإصابة 111 أخرين بعد ان فجر قنبلة في سانتينال أولمبيك بارك وذلك لمعارضته الإجهاض، وفي سيدني عام 2000، استبعدت أفغانستان بعد رفضها ضم نساء لبعثتها، وهو ما يخالف الميثاق الأولمبي لناحية المساواة بين الجنسين، الأمر الذي نجت منه السعودية في أولمبياد لندن 2012، بعد سماحها لإحدى الرياضيات بالمشاركة في ألعاب الجودو مرتدية حجابها.
عموماً الألعاب الشتوية ستقام بين 4 و20 شباط القادم دون حضور جماهيري من خارج البلاد، مع وضع جميع الرياضيين والطواقم الفنية في فقاعة صحية يتم خلالها إجراء اختبارات يومية للكشف عن فيروس كورونا، وإذا استذكرنا ما وجهته اليابان في الصيف الماضي خلال إقامة الألعاب الصيفية رغم اختلاف الحجة إلى أن الدعوات المطالبة بتأجيل الحدث وحتى إلغائه بسبب استمرار خطورة الأوضاع الصحية عالمياً، أصرت الحكومة اليابانية على إقامة المحفل الذي ضم 11656 رياضياً من 206 اتحادات للتنافس في 339 مسابقة مقسمة على 33 رياضة، ونجحت طوكيو في تدابيرها المشددة بالخروج بنسخة مميزة من الأولمبياد.