مجلة البعث الأسبوعية

المنطقة الصناعية بطرطوس.. ضبابية بالأسعار ومزاجية بالتعامل ورقابة غائبة..!

البعث الأسبوعية- محمد محمود

أكثر من مليون ليرة سورية يدفعها سائقون لقاء تصليح سياراتهم الأجرة ،إذ يتحدث السائقون عن غلاء جنوني للقطع في المنطقة الصناعية بطرطوس  ففي كل مرة يدخلها السائق لإصلاح سياراته يجد نفسه أشبه بكرة تتقاذفها محلات الصيانة، وحرفيوها. كل برأي، وكل بسعر، و كل بمزاج، ولولا خبرة لا بأس بها يمتلكها السائقون ، لكان ما دفعوه  أكثر من ذلك بكثير، فالسوق لا يرحم.

أرقام مرتفعة

معاناة السائقين  باتت اليوم حالة مشتركة وعامة بين الجميع ، فالسيارات الموجودة معظمها قديم، واستهلكت عمرها الافتراضي، وبحاجة إلى صيانة مستمرة ودائمة، مثل سيارات الأجرة، ومكاري الميكروباص، والسيارات القديمة التي يحتفظ بها أصحابها للحصول على دعم البينزين، وعند سؤال أصحاب السيارات فالجميع يشكو من ضبابية السوق وعدم وضوح أسعار قطع الإصلاح، وجودة عملية الصيانة، ويتحدثون عن التبياين الكبير الملحوظ بين محل وآخر، وكذلك بين منطقة صناعية وأخرى.

ويقول: أبو جود صاحب ميكرو باص أن يوم السبت من كل أسبوع يخصصه للقيام بإصلاح سيارته وزيارة الصناعة بطرطوس، وهناك تكاليف كبيرة يدفعها باستمرار في أي زيارة تتجاوز أحيانا مدخول سيارته وإنتاجها، مضيفا: يلومنا بعض الناس على تقاضي أجور زائدة في بعض الأحيان دون معرفتهم ما نقوم بدفعه من إصلاح.

أما “أبو رائد” بشار فيقول أنه دفع منذ فترة أكثر من مليوني ليرة ثمن طقم دواليب جديد لسيارته وقلبها تكلف أكثر من ١٥ مليون لإنزال المحرك، أما استبدال الزيت فمشكلة أخرى لأن معظم الأنواع الموجودة غير موثوقة وأحيانا تسبب الضرر للمحرك، فمن المسؤول عن كل هذا.

 

مصادر مختلفة

في المقابل يدافع أصحاب المهنة في صناعة طرطوس التي تشهد أكبر تجمع لورش الصيانة والإصلاح عن عملهم بالقول أنه وكما ارتفعت اليوم أسعار السيارات من الطبيعي ان ترتفع أسعار القطع مبينين أن نجاح عملية إصلاح الآليات بشكل عام يعتمد على عدة عناصر أهمها الخبرة والإتقان المطلوبة من الحرفي بتحديد الخلل في السيارة وتشخيصه واستبدال القطع التالفة بقطع جديدة أو مستعملة من السيارات المستوردة من الخارج لهذا الغرض، ولكن هناك بعض القطع لا يمكن استبدالها سوى بجديدة وهنا ببدء بحثنا عن الجودة بصناعتها ومصدرها لنصل إلى عملية نجاح الإصلاح لفترة طويلة كون هناك أنواع ومصادر مختلفة منها عالية الجودة ومنها مقلد أو سيئة الصنع. وبالتأكيد يختلف السعر بحسب النوع والمصدر وغالبا نجد صعوبة في إيجاد الأفضل.

ويوضح صاحب إحدى المحلات في الصناعة أن الإصلاح اليوم أصبح مكلفا جداً مهما صغر وهذا صحيح لكن الأسباب متعددة لا علاقة للصناعيين بها فربما يكون بسبب الظروف أو الحصار أو أمر آخر نجهله مضيفاً : بسبب قلة السيولة بيد الكثير من أصحاب السيارات العامة أو الخاصة نضطر أحيانا لتركيب بعض القطع ذات الجودة المتوسطة بموافقة صاحب الآلية، ونخضع للأمر الواقع فنحن على تماس مباشر مع أحوال الناس الإقتصادية وندرك بأن هناك متغيرات خارجة عن إرادتنا ونتفهم شكوى الزبائن بما يخص إرتفاع الأسعار بشكل عام ولكن الأمر خارج عن سيطرتنا إما نتقبله ونستمر بعملنا أو نعترض عليه ولن نجد آذان صاغية لاعتراضنا.

 

إرهاق جسدي

كما يتحدث أصحاب محلات أخرى عن واقع العمل وصعوباته مدافعين عما يتهمون فيه فيتحدثون عن كون الامانة والضمير هما المعياريان الأساسيان في تحقيق النجاح ورضا الزبون في هذه المصلحة، رغم انه وفي ظل هذه الظروف الضاغطة تحصل بعض الإشكالات، ولكننا نتجاوزها بأغلب الأحيان وفي حال كان هناك أي خلاف بين الحرفي أو الزبون حول فنية العمل من قبلنا أو من أحد الحرفيين الذين لا يملكون الخبرة الكافية تكون الشكوى للجمعيات الحرفية المختصة ويتدخل خبراء من الحرفة لحلها وفق المعطيات التي تظهر ويتحمل المخطئ مسؤلية عمله وينتهي الأمر . مضيفين أن العمل في إصلاح السيارات يعتبر من الأعمال المتعبة والشاقة جسديا وفكريا وأغلبنا ينتهي به المطاف إلى مشاكل صحية بالعظام والظهر وإصابات عمل تسبب عطب دائم كما أنه يحتاج إلى الكثير من الصبر فقد نصادف معوقات بفك أصغر القطع، وتأخذ معنا ساعات أو تدخل من قبل حرفيين بخراطة المعادن لإنجاز الأمر . ولمصلحتنا أن يتم الإصلاح بالشكل الأمثل لأن فشله نتيجة تركيب قطع غير جيدة  أو عدم معالجته بالشكل المطلوب سينعكس سلباً على عملنا وسمعتنا .

أما عن ما نتقاضاه من أجور فهذا يتوقف على نوع الإصلاح والوقت الذي يستغرقه وخبرة الحرفي فعملنا فني بامتياز عندما يكون الحرفي متقن لعمله يختصر الكثير من الوقت والكلف الإضافية على الزبون كون الإصلاح يتم بتقنية ودراية محددة ولكن لا بد أن ننوه بأن هذه الأجور لا تدخل في جيوبنا فقط فلدينا الضرائب وكهرباء وماء وصرفيات وتلف في المعدات وأجور عمال وأغلبنا مستأجر وليس مالك لعقار وعلى الرغم من كل ذلك تكون الأجور منطقية بأغلبها أما عن مجموع التكاليف المرتفعة يعود ذلك لارتفاع أسعار القطع والزيوت بشكل عام .

وهناك حالات بالتأكيد لا بد من ذكرها مثل أي حرفة أخرى قد يكون هناك بعض ممن لا يملكون الخبرة أو الأمانة في العمل ويسيئون لسمعة المهنة وهذا الأمر نجده بكافة المجالات ولكن الأهم من ذلك علينا جميعاً أن نملك الضمير ونعمل بأمانة ونعترف بأخطائنا ونتحملها جميعاً .

لجان اختبار

من جهته يبين منذر رمضان عضو مجلس إتحاد الحرفيين بطرطوس أن مهنة إصلاح السيارات تعد من الحرف التي تحتاج إلى خبرة وتقنية في العمل كما أنها من الأعمال المتعبة جسديا وما يسمى بالإصلاح له عدة أوجه فهناك حرفة التصويج . والميكانيك . والدهان . والكهرباء . والتنجيد . والدوزان . والخراطة وحرف أخرى متعددة ومتممة لعملية الإصلاح، وتكون الأجور وفق فنية الحرفي إضافة إلى الوقت والجهد الذي يستغرقه الإصلاح وهنا تدخل أسعار المواد ضمن التكاليف خاصة بأن كافة المواد من قطع ودهان وقطن ونفط ومعجون ومتمماته ومواد مستهلكة كالغاز الصناعي والأكسجين وبما يسمى حجر الكربير وأسلاك الكهرباء ومتمماتها والكثير من المستلزمات الأخرى ارتفعت أضعافا مضاعفة كمثيلاتها لأي مادة أخرى في الأسواق إن كانت طعاما أو لباسا أو متممات أخرى والتي لا تتناسب على الإطلاق مع الأكثرية ممن هم محدودي الدخل .

ولكن العنصر الأهم هو أن يكون الحرفي يملك الخبرة والأمانة في العمل فهذا الأمر يساهم في تحديد الأعطال دون خسائر، إضافة إلى أصحاب السيارات ومن المفترض أن يكون هناك لجان متخصصة من خبراء لكافة المهن تختبر الحرفي وتتأكد من خبرته قبل أن يعطى الترخيص ويسمح له بمزاولة المهنة وفي حال تنقصه الخبرة يتم تدريبه ليصبح لديه الكفاءة المطلوبة ويعطى شهادة بمزاولة المهنة على أساس إلتزامه وتعلمه . وهذا الأمر غير موجود في الواقع ونأمل أن يتم العمل عليه في المستقبل القريب .ليصبح كافة المهنيين خبراء في حرفتهم بدل أن يتعلموا من أخطاءهم التي تكبد الخسائر للغير .

ويبين رمضان: بالتأكيد تصلنا شكاوى مختلفة منها تكون محقة نتيجة قلة خبرة البعض كما ذكرنا وأخرى بسبب إشكالية الأسعار المتغيرة وغير الثابتة بما يخص القطع أو الأجور . ويكون تدخلنا من خلال تكليف مهنيين محلفين يملكون الخبرة والسمعة الحسنة موثوقين من قبل زملائهم ويتم حل الشكاوى بشكل ودي ومنصف للطرفين . وفي حال لم يتم التوافق على الحل الودي ترفع اللجنة تقرير مفصل عن الحالة للجمعية المختصة وتكون الكلمة الفصل للقضاء .وقل ما يحدث ذلك كون أغلب الإشكاليات تتابع وتحل .

 

إشكاليات إضافية

ويكشف رمضان تفاصيل ما يحدث في سوق إصلاح السيارات مؤكدا أن هناك اليوم إشكاليات كبيرة وواضحة في تفاوت أسعار القطع بأغلبها، ويعود هذا الأمر لأسباب متعددة منها المصدر والجودة والنوعية فهناك مثلا قطع وزيوت مقلدة بشكل متقن ولا تتمتع بالجودة المطلوبة وكشفها يحتاج إلى خبرة ودراية في تفاصيل صناعتها. وقل ما نجد قطع صناعة محلية كونها بغالبيتها مستوردة من الخارج وتتم إضافة كافة الصرفيات المفروضة عليها من أجور نقل برا أو بحرا وجمركة وضرائب وصرفيات أخرى غير ملحوظة وقد نجد نفس القطعة بسعر مختلف من تاجر لآخر قد يعود ذلك لمصدرها أو إختلاف تاريخ شراءها من التاجر المستورد أو طمع البعض وعدم إلتزامهم بربح منطقي . وهنا لا بد من التنويه وفقا لرمضان بأن أغلبية بائعي القطع في المنطقة الصناعية ليسوا مستوردين بل هم تجار مفرق وليس جملة والقطع المستوردة بأغلبها يتم نقلها إلى محافظات أخرى ومن ثم يعاد شراءها ونقلها إلى طرطوس حيث يضاف إليها أجور النقل مرة أخرى . وهذا الأمر يبين إختلاف بالرقم المالي للقطع بين محافظة وأخرى إضافة إلى بعض الحالات ممن لا يرضون بالربح القليل وهؤلآء الأشخاص موجودون في كافة مناحي الحياة وليس فقط بين بائعي قطع السيارات . ولا يخفى على أحد بأن القطع لم تعد متوفرة كالسابق نتيجة الحصار وقلة المستوردين ومعوقات متعددة ولكن بالتأكيد هذه العوامل لا تبرر أي تجاوز للسعر الحقيقي الذي يجب تحصيله مع أرباح منطقية ومنصفة للجميع . مع التنويه بأن هناك تكاليف مالية من ضرائب مختلفة والتزامات أخرى أصبحت أضعاف مضاعفة عن السابق وتعتبر مساهمة في ارتفاع الأسعار .

ولكن هل ما يحدث من ارتفاع الأسعار بشكل عام في كافة مفاصل حياتنا اليومية نراه منطقي . بالتأكيد لا وقد أصبح الجميع قلق من هذا الأمر.

ويختم رمضان: أصبح من الضروري اليوم وضع إستراتيجية اقتصادية تتناسب مع الظروف بما يساهم في تخفيف العبء والضغط عن المواطنين إن كان بما يخص السيارات أو سواها وبما لا يتعارض مع ضرورة رفد الخزينة العامة بالموارد المالية من خلال عودة الصناعات بكافة أشكالها وتنوعها إلى الإنتاج وتطويرها ببدائل المستوردات ولدينا رؤية بهذا الخصوص مستعدون لمناقشتها.

محط اهتمام

ختاما.. فالإشكاليات الموجودة في سوق إصلاح السيارات يجب أن تكون اليوم محط اهتمام ومتابعة وإيجاد حلول سريعة وعملية من قبل المعنيين، فمن يمتلك الأرقام يدرك حقيقة التكاليف الكبيرة التي تستنزفها عمليات الصيانة والإصلاح لسيارات أنهت عمرها الافتراضي وباتت تشكل عبئا حقيقيا على أصحابها ومصدر ربح غير مضبوط أو مراقب للكثير من الجهات المستثمرة في هذا السوق، وهناك من يرى أن الحلول كثيرة وممكنة لكنها بحاجة لسرعة وجرأة في اتخاذ القرار.