انقسام حول الإجراءات الصحية ضد كورونا
ترجمة وإعداد: هيفاء علي
منذ ظهور وتفشي جائحة كورونا العالمية التي دخلت عامها الثاني، وحصدت أرواح ما ينوف على خمسة ملايين شخص في العالم، انقسم خبراء وأكاديميو الصحة بين مؤيد للإجراءات الصحية التي اتخذتها كل دول العالم لمواجهة الوباء، ومعارض لها لجهة أنها بلا فائدة، وفوق ذلك أدت إلى حدوث ركود اقتصادي ونفسي مدمر، فقد أكد ثلاثة أكاديميين بلجيكيين متخصصين في تقييم السياسات العامة الآثار المدمرة التي تنفذها الحكومات، منتقدين بشدة الأخطاء السياسية الخطيرة التي ارتكبتها أثناء مواجهة الوباء.
ففي سويسرا، تواصل الحكومة الفيدرالية وحكومات الكانتونات ممارسة سيطرة على السكان من خلال الاعتقاد بأنه سيكون لديهم الاختيار بين الممر الصحي (غير المجدي)، أو الإغلاق الجديد (غير المجدي)، ويريد هؤلاء المسؤولون فرض ارتداء الأقنعة من سن 8 في المدارس على الرغم من أن هذا الإجراء غير مفيد أيضاً، حيث يتسبب بصدمة خطيرة وتأثير نفسي وعاطفي يؤدي إلى التأخر في النمو المعرفي عند الأطفال.
ويشير هؤلاء الخبراء الى أن هناك 400 دراسة حديثة تثبت عدم جدوى الإجراءات القسرية مثل: ارتداء الأقنعة، والحجر، وإغلاق المدارس، والقيود المفروضة على الوصول إلى المطاعم أو المتاجر، وأن جميع التدابير غير فعالة ومضرة بالصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية للسكان، كما أن عمليات الإغلاق المتعلقة بوباء كورونا، وسياسات الاحتواء وارتداء الأقنعة وإغلاق المدارس والتزامات ارتداء الأقنعة قد فشلت في تحقيق هدفها المتمثّل بإبطاء انتقال العدوى، أو تقليل الوفيات، وكانت هذه السياسات التقييدية غير فعالة، وولّدت إخفاقات مدمرة، وتسببت بأضرار جسيمة، لاسيما لأشد الطبقات فقراً وضعفاً في المجتمعات.
ويضيف هؤلاء: حاولت جميع الحكومات تقريباً وضع تدابير إنفاذ لمكافحة الفيروس، ولكن لا يمكن لأي منها الادعاء بأنها كانت ناجحة، وتشير الأبحاث إلى أن متطلبات ارتداء الأقنعة، وعمليات الإغلاق وإغلاق المدارس لم يكن لها تأثير ملحوظ على انتشار الفيروس، فلا يوجد دليل على أن التدخلات غير الصيدلانية الأكثر تقييداً مثل “الإغلاق” قد ساهمت بشكل كبير في ثني منحنى الحالات الجديدة في انكلترا وفرنسا وألمانيا وايطاليا وهولندا أو اسبانيا أو الولايات المتحدة في بداية عام 2020، بل على العكس، كانت هناك مبالغة بشكل كبير في فوائد الإغلاق والقيود المجتمعية، وكانت الأضرار التي لحقت بالمجتمعات والأطفال شديدة، والأمراض غير المشخصة التي ستؤدي إلى زيادة الوفيات في السنوات القادمة، والاكتئاب، والقلق، والتفكير الانتحاري بين شريحة الشباب، إضافة إلى الجرعات الزائدة من المخدرات، وحالات الانتحار بسبب سياسات الإغلاق، والعزلة بسبب الحجر، والأذى النفسي، والعنف المنزلي والأطفال، وفقدان الوظائف والشركات وتأثيرها المدمر، والعدد الهائل من الوفيات الناتجة عن عمليات الإغلاق التي ستؤثر بشدة على النساء والأقليات، رغم كل ذلك، هناك حديث عن نية الحكومات اتخاذ المزيد من تدابير الاحتواء استجابة لمتغير “أوميكرون” الذي من المحتمل أن يكون معدياً، ولكن ليس أكثر فتكاً.
وبحسب الخبراء، أصبح من الواضح في وقت مبكر أن فرق العمل ومجموعات العمل الأخرى والمستشارين الطبيين وصانعي السياسات لم يقرؤوا الأدلة، ولم يكونوا ملمّين أو على دراية بالعلم أو البيانات، ولم يفهموا الدليل مدفوعين في كثير من الأحيان بتحيزهم وغرورهم.
كان من الواضح أن الاستجابة للوباء لم تكن استجابة للصحة العامة، بل كانت سياسية منذ اليوم الأول، ومستمرة حتى اليوم، فقد كشفت دراسة حديثة عن الآثار الجوهرية والكارثية للمجتمع المنغلق، واكتئاب الأطفال، وجاء في الدراسة أن الأطفال الذين ولدوا أثناء الجائحة لديهم تأثير كبير، وانخفاض الأداء اللفظي والحركي والمعرفي العام مقارنة بالأطفال المولودين قبل الجائحة، وأضافت بأن الفتيان والأطفال من الأسر الاجتماعية والاقتصادية المحرومة هم الأكثر تضرراً.
ربما يكون دونالد لوسكين من صحيفة “وول ستريت جورنال” أفضل من لخّص ما شهده العالم منذ بدء هذه القيود وعمليات الإغلاق التي لم يكن لها أي شيء علمي على الإطلاق، يقول: “بعد ستة أشهر من بدء وباء كورونا، أجرت الولايات المتحدة تجربتين على نطاق واسع في مجال الصحة العامة، في آذار ونيسان 2020، حيث أغلقت كافة المنشآت والفعاليات الاقتصادية لوقف انتشار الفيروس، ثم إعادة فتح الاقتصاد منذ منتصف نيسان، وقد أظهر التحليل الإحصائي أن حبس الرهن الاقتصادي قد فشل في احتواء انتشار المرض، وأن إعادة فتحه لم تسبب موجة ثانية من العدوى.
إن التعامل مع هذا الوباء لايزال استجابة سياسية بحتة حتى يومنا هذا، إذ لا يوجد دليل قاطع يشير إلى أن أياً من هذه التدابير التقييدية قد قلل من انتقال الفيروس، أو الحد من الوفيات، بل كانت عمليات الإغلاق ومتطلبات ارتداء الأقنعة غير فعالة، والأقنعة نفسها كانت ولاتزال غير فعالة وضارة.