دراساتصحيفة البعث

هل سيخرج “أوميكرون” الانتعاش العالمي عن مساره؟

هناء شروف

واجه التعافي الاقتصادي العالمي في عام 2021 العديد من التحديات بسبب استمرار جائحة كوفيد-19، وعدم المساواة في اللقاحات، ولكن مع ظهور متحورات جديدة من فيروس كورونا، ظهر سؤال: هل يغيّر الوباء الجديد طريقة تفكيرنا في الاقتصادات والمجتمعات؟ وكيف سيكون المشهد الاقتصادي العالمي العام المقبل؟.

ازداد عدم اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية، ولكن في الوقت الحالي، تعد المعلومات المتعلقة بالآثار الصحية لمتحور “أوميكرون” للفيروس التاجي الجديد نادرة، ما يجعل التداعيات الاقتصادية غير متوقعة إلى حد كبير، فقد أبلغ حوالي 30 اقتصاداً عن حالات من “أوميكرون”، ولكن من المرجح أن يكون عدد البلدان التي يوجد فيها أعلى بكثير.

في جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن “أوميكرون” قد استحوذ على حوالي 70 بالمئة من إجمالي حالات كوفيد-19 خلال الأسابيع الأربعة الماضية، إلا أن منظمة الصحة العالمية حذرت من عدم وجود دليل كاف حتى الآن على أن “أوميكرون” أكثر قابلية للانتقال.

ورغم عدم اليقين من فعالية اللقاحات الموجودة، إلا أنه من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كان هذا يشير إلى انخفاض فعالية اللقاح، وبالإضافة إلى ذلك، حتى إذا تم تقليل فعالية اللقاح فمن غير الواضح ما إذا كانت بعض اللقاحات ستوفر حماية أفضل من غيرها، لذلك فإن التداعيات الرئيسية الواضحة في هذه المرحلة هي أن الحكومات قد تفاعلت بالفعل مع أخبار “أوميكرون” من خلال إعادة فرض القيود، لاسيما على السفر إلى الخارج، ما يعني أن الطريق إلى الحياة الطبيعية سيظل وعراً وغير مؤكد، وفي أفضل السيناريوهات قد يتحول “أوميكرون” ليكون نقمة مقنعة إذا ظلت فعالية اللقاحات منخفضة.

إذاً لا يمكننا استبعاد احتمال أن تكون لدى “أوميكرون” قابلية أكبر للانتقال،  وأعراض مشابهة أو أسوأ، فما هي العواقب الاقتصادية؟.

في سيناريو الجانب السلبي في عام 2022 ستطول فترة القيود، وما يرافقها من تعطّل سلاسل التوريد العالمية، وسيتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 2.3٪، وتضعف الأسواق المالية، وفي هذا السيناريو ستتضرر الاقتصادات المتقدمة بشدة بشكل خاص، حيث كان نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ومنطقة اليورو في عام 2021 أقل بنحو نقطتين مئويتين من توقعاتنا الأساسية الحالية البالغة 4.5 في المئة، و4.2 في المئة على التوالي.

وبناء على العلاقة الحالية مع تشديد الإغلاق فإن المراجعة التنازلية بهذا الحجم ستكون متسقة مع القيود التي تصل إلى مستويات مماثلة لتلك التي شوهدت عالمياً من شهر أيار إلى شهر أيلول من هذا العام، وهذا من شأنه أن يخفض النمو العالمي في السنة القادمة من 4.5 في المئة الحالية إلى 4.2-4.3 في المئة.

على المدى القريب، من المحتمل أن تقوم الحكومات بتشديد الإجراءات التي تقيد السفر الدولي أو تجعله أكثر إزعاجاً وتكلفة، ما يساعد في خفض أسعار النفط، وبالتالي تضخم أسعار الطاقة عالمياً خلال الأشهر المقبلة، كما من شأن ذلك أن يدعم وجهة النظر القائلة بأن تضخم مؤشر أسعار المستهلك العالمي سيتراجع بشكل حاد على مدار عام 2022.

لكن القيود الأكبر، لاسيما في الصين، واقتصادات آسيا والمحيط الهادئ الأخرى التي من المرجح أن تستمر في اتباع سياسات كوفيد-19، قد تضاف إلى ضغوط سلسلة التوريد على المدى القصير، وتبطئ السرعة التي تتم بها إزالة الاختناقات، وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تؤدي القيود الأكثر صرامة إلى انتقال تدريجي أكثر للإنفاق من السلع والعودة إلى الخدمات، ومن المحتمل أن يؤدي هذان العاملان مجتمعين إلى بقاء تضخم أسعار السلع في عام 2022 أعلى مما نتصور.

بعد عام 2022، من المرجح أن يكون التأثير على التضخم محكوماً بعاملين: الأول هو: إلى أي مدى يعزز “أوميكرون” أو يقلل من قوة المساومة العمالية؟ والثاني هو مدى تدخل صانعي السياسات لحماية الطلب؟.

إذا انتهى الأمر بتأثير “أوميكرون” بشكل كبير على الاقتصاد فمن المحتمل أن تركز الحكومات والبنوك المركزية استجابتها على تأثيرات الطلب بدلاً من تأثير التضخم الأكثر غموضاً.