العدو الحقيقي للغرب هو الغرب نفسه
ترجمة: هناء شروف
يخوض الغرب حرباً باردة مع الصين باعتبارها العدو الجديد الكبير، حيث نقرأ ونسمع في وسائل الإعلام الغربية أشياء سلبية عن الصين وتطورها وقيادتها وحزبها الحاكم وسياساتها، لكن لا نقرأ أو نسمع أن الصين تظل الدولة الأولى التي تقاس برضا المواطنين عن حكومتهم 95 في المائة مقارنة بـ 38 في المائة في الولايات المتحدة، وألغت الفقر المدقع من خلال انتشال أكثر من 750 مليون شخص من براثن الفقر، وفقاً لمسح رسمي أجراه “مركز الرماد” في جامعة هارفارد،.
معظم الغربيين لا يعرفون شيئاً عن الصين أو تاريخها أو تطورها أو مجتمعها أو طرق تفكيرها، ما يعني أن هناك علاقة قوية بين عدم معرفة أي شيء مطلقاً وبين اتخاذ موقف سلبي تجاه الدولة. ما يعني أن الهدف الوحيد للسياسة الخارجية للولايات المتحدة و الغرب هو محاربة الصين وإدانتها واحتوائها والتنافس معها. وحتى هناك قوانين جديدة بهذا المعنى في الولايات المتحدة، فقد تم تخصيص 1500 مليون دولار وفقاً لقانون المنافسة الاستراتيجية لعام 2021 لتدريب الإعلاميين على كتابة القصص السلبية عن الصين ومبادرة الحزام والطريق، وهو أكبر مشروع تعاوني في التاريخ تشارك فيه أكثر من 140 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بما في ذلك إيطاليا.
أضف ذلك إلى الدعاية التي تقوم بها وسائل الإعلام الأمريكية التي جعلت الإعلام الحر والتنوع والموضوعية و “الاستقلال” ذو رائحة عفنة، حتى الولايات المتحدة نفسها وليس أي دولة أخرى ومن خلال وسائل إعلامها السائدة تعيد إنتاج المصادر الأمريكية على أنها الحقيقة حول العالم.
لقد ذهب خداع الذات أبعد من ذلك، إذ لم يعارض في المناظرة الأخيرة لزعماء الأحزاب في الانتخابات الألمانية مؤخراً أي من القادة هذا السلوك، كما لو أن روسيا والصين تشكلان تهديدات كبيرة. وقد أيد جميع قادة الأحزاب إلى حد ما أو أقل بأن زيادة أعضاء الناتو إنفاقهم العسكري إلى 2 في المائة من الناتج القومي الإجمالي كان ضرورياً، وهو إجراء يتحدى الفكر نظراً لأن الإنفاق العسكري من خلال المنطق يجب تحديده من خلال تحليل التهديدات الحقيقية.
ولكن: هل هذا هو المستوى الفكري لعصرنا الذي اختفى فيه الخطاب حول السلام ونزع السلاح أو تم إلغاؤه أو تأطيره أو أصبح مستهجناً؟ إن مثل هذا التفكير المناهض للفكر والأمن العسكري أحادي البعد سوف يرتد بالطبع لا سيما على أولئك الذين يتبعون الولايات المتحدة بشكل أعمى.
لقد بات العالم يتعامل مع الإسقاطات النفسية والسياسية للجانب المظلم للغرب على الآخرين، حتى بات الغرب يلوم الدول الأخرى باستمرار على القيام بأفعال يقوم الغرب نفسه بها وعلى نطاق أوسع. إذ كيف يلقي الغرب اللوم على الصين عندما أنقذت ملايين الأرواح من خلال انتشال أكثر من 750 مليون شخص من براثن الفقر، بينما يعيش حوالي 20 في المائة من سكان الولايات المتحدة تحت خط الفقر؟ وأيضاً كيف يمكن للغرب أن يقنعنا بأن إيران التي لم تغز أي دولة منذ حوالي 200 عام تشكل خطراً على العالم؟
إذا لم يتمكن القادة الغربيون من تعلم العيش بدون صور العدو وإسقاطاته من المحتمل أن يكون محكوماً بالفشل. وكما قال بوجو شخصية الكارتون بحكمة: “لقد التقينا بالعدو وهو نحن”. لأنه في نهاية المطاف كل ما يتطلبه الأمر هو أن يجتمع قادة العالم لخدمة شعوبهم ويقولون: دعونا نتفق على تقليل كل النفايات التي نخلقها بالأسلحة والنزعة العسكرية بنسبة 50 في المائة على سبيل المثال وإنفاق التريليونات من الدولارات لجعل العالم مكاناً أفضل بتحويل الموارد البشرية والموارد الأخرى للصالح العام.. دعونا نرى بعضنا البعض كشركاء وأصدقاء أولاً ونبدأ في التعاون بدلاً من المواجهة.
لا أحد شرقاً أو غرباً أو جنوباً أو شمالاً يمتلك مثل هذه الرؤية، وبالتالي “ننجرف نحو كارثة لا مثيل لها”. ولكن بمجرد أن نفهم ذلك ويصبح الغرب بلباقة شريكاً قوياً وصحياً في عالم متعدد الأقطاب ومتعدد الثقافات تعاوني وغير تصادمي سيكون للبشرية مستقبل عظيم ويمكن أن تجد حلولاً لمشاكلها بسهولة أكبر سواء كان ذلك تغير المناخ والفقر والديمقراطية العالمية والتنمية والمياه ومحو الأمية والتعليم والسلام.