تواشج عريق في “أيام الثقافة السورية الأرمنية”
حلب- غالية خوجة
احتفى اتحاد الكتّاب العرب، بالتعاون مع مديرية الثقافة بحلب، بأيام الثقافة السورية الأرمنية في المركز الثقافي العربي بالعزيزية.
افتتحت الأيام السورية الأرمنية بفيلم توثيقي عن التراث والثقافة الأرمنية، تضمن اكتشاف الأبجدية الأرمنية، وتاريخ الشعب الأرمني، ومشاهد من الفنون المعمارية والبصرية.
ولفت جيراير رئيسيان، عضو مجلس الشعب، في كلمة له، إلى محور المحبة والإنسانية والتواشج بين المواطنين السوريين مهما كانت جذورهم مختلفة، ومحور التأثر والتأثير المتبادلين في مخزون الفرد أو الشعب الثقافي والمعرفي، شريطة ألا تصبح عنصراً دخيلاً تشوّه سمات الأصالة أو خصائص الانتماء.
بدوره أكد د. فاروق أسليم، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب، على الانسجام التاريخي بين الثقافتين السورية والأرمنية، لأن الأرمن مواطنون سوريون يشكّلون مع النسيج السوري وحدة انتماء ومصير مشترك، وتستهدفهم المؤامرات التدميرية ذاتها.
بينما أوضح عماد الدين غضبان، عضو قيادة فرع حلب للحزب، رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام الفرعي، كيف تمثّل هذه الأيام الثقافة السورية بامتياز، يكتبها مبدعون سوريون من أصول أرمنية يعتزون بانتمائهم الثقافي، والعيش المشترك، وبقائدهم السيد الرئيس بشار الأسد.
تأملات وأكفان وأحلام
بدأت الأيام بأمسية أدبية قدمتها وأدارتها غالية خوجة، أمين سر الهيئة الإدارية لفرع حلب لاتحاد الكتّاب العرب، مؤكدة على جذور الثقافة السورية الموغلة في التاريخ، تماماً، كما الموغلة في طبيعتها الاجتماعية الفسيفسائية المتآخية بحب الوطن.
ثم قدمت د. هوري أعزاريان إضاءة على الشعر الأرمني الذي بدأ مع القرن السادس قبل الميلاد، بين الشفاهي والمدوّن، وأهميته بالنسبة لمقومات الشخصية الأرمنية، وتفاصيلها الروحية والإنسانية، متوقفة عند أهم الشعراء، والقصائد المجسّدة لرحلة التراث والآلام الأرمنية إلى اليوم، قارئة عدة مقاطع معبّرة عن الشجون والأحلام والغربة والوطن والطبيعة.
وألقى د. غازار بوغوص قصيدتين تحدث فيهما عن الوطن والحياة، متغزلاً في قصيدته “آه يا حلب” بالزمان والمكان والوجدان والمدينة وأثرها على الوجود والصمود رغم الدمار.
ثم قرأت سالبي كسباريان 3 نصوص معنونة بـ: “والآن”، و”تأملات وجدانية”، و”الكفن الأسود”، لتأخذ الحضور معها في رحلة إلى الحرب وآلامها من خلال زواج القاصرات الأرمنيات، خاصة أن مجازر تركيا بحق الأرمن لا ينساها التاريخ، وأن سورية هي الوطن الذي يشفي تلك الجراح.
بدورها، ومع فقرة عزف حي على الكمان، ألقت مارينا برتزليان قصيدتها “الخلود المزهر”، منشدة للحياة من خلال الوجدانات الدرامية المنتصرة في الخاتمة بإنسانيتها بين ذاكرتها التراثية ووجودها المعاصر.
صورة المرايا بين الأنا والآخر
وركزت ندوة اليوم الثاني على “صورة الأرمن في الرواية السورية”، وحضرت رواية “خان الزيتون” للكاتب فيصل خرتش الذي قدم وأدار الندوة، لتتحدث من خلالها د. زبيدة القاضي عن تلك العلاقة بين بطلي الرواية عامر الشاب الحلبي، وساكو الشاب الأرمني، وكيف تواشجت العادات المختلفة لتتكامل بينهما من خلال محاكاة السلوك، والتأثر والتأثير، وتبادل التقاليد المتوارثة، والاختلاف والتسامح والانتماء لبنية اجتماعية وطنية سورية، من خلال التقائها في محور الانفتاح على الآخر من الجانبين، والألفة الإنسانية والاجتماعية والثقافية، قدمها خرتش بأسلوب واقعي ينتقل بين مشهد وآخر بتصويرية وتفاصيل يومية توحي بأنها أقرب إلى التوثيق التاريخي، وسرد الذات والآخر.
وتحدث في القسم الثاني من الندوة الأديب محمد جمعة حمادة مرتكزاً على رواية الفم الكرزي للكاتب حنا مينه، المنتمية للأدب الواقعي التي تستدرج القارئ إلى أحداثها ومشاهدها التصويرية الفوتوغرافية، ليمتد أسلوبها السيناريوهاتي ابتداء من عام 1938 لغاية عام 1946، وكيف يكون الحب الخلفية الإيجابية لهذه الأحداث في المرحلة المتحولة من حرب إلى صراع إلى استقلال، ملفتاً إلى أن علاقة الحب التي تنشأ في مكانية واقعية هي مدينة كسب باللاذقية، تجمع بين أنا الراوي مينه وأنا بطله جواد الصفصافي السوري، وحبيبته بيرانيك فاهيان الأرمنية التي تفضّل في النهاية حب الوطن على حب شخص، فيناضلان من أجل الوطن إلى أن يتم الانتصار بالاستقلال السوري وطرد المحتل الفرنسي، لكن العلاقة العاطفية لا تكتمل لأن بيرانيك فاهيان تفضّل العودة إلى أرمينيا، لأن الوطن لا يزول.
الأفضل قادم
شكّلت هذه المبادرة الثقافية نقطة انطلاق لهذا التشبيك المتنوع وبنيته الفسيفسائية المتناغمة، وقُدمت فيه نصوص اعتمدت على الثيمة الموضوعية أكثر من الثيمة الفنية، وتنوعت بين الخواطر والتأملات والحكاية والقصة والقصيدة الواقعية، ولربما ستكون الأيام الثقافية الأرمنية القادمة أكثر لمعاناً جمالياً، لأن الثقافة العريقة في حلب بأطيافها المختلفة مرآة أخرى للحياة اليومية بمجملها.