الجيش والمستوطنون و”الإرهاب الصهيوني”…. تحالف شيطاني ضد الفلسطينيين
البعث الأسبوعية-هيفاء علي
تتزايد الاعتداءات على المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، خاصة وأن جيش الاحتلال عادة ما يسمح للمستوطنين الأكثر تطرفاً وعنفاً بالتصرف ويضمن لهم الإفلات من العقاب. ففي أخر تقرير حديث صادر عن “منظمة حقوق الإنسان” أنه بين عامي 2020-2021 شن المستوطنون 451 هجوماً على الفلسطينيين العزل أسفرت عن سقوط خمسة شهداء فلسطينيين، على مرأى قوات الأمن الإسرائيلية التي كانت حاضرة في 183 حالة، حيث تغاضت عن الهجوم أو شاركت فيه بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع على فلسطينيين يحاولون مواجهته.
وفي بيان صدر في 10 تشرين الثاني 2021، أعرب خبراء من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن قلقهم إزاء العنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون “وهو أعلى مستوى مسجل في السنوات الأخيرة”، ولكن دون جدوى. وعلى الرغم من التحذيرات التي أطلقتها المنظمات الفلسطينية من هذا الوضع منذ زمن طويل، إلا أنها لم تحرك ساكناً، رغم أن هذه الظاهرة ليست “حوادث” منعزلة، بل إرث الإرهاب اليهودي الناتج عن الاستعمار الصهيوني.
في كتيب حمل عنوان “في الخدمة”، تم جمع 36 شهادة من جنود وضباط كانوا في طليعة المحرضين على العنف المتكرر من قبل المستوطنين الإسرائيليين، حيث يسلط الكتيب الضوء على الواقع العملي والاستراتيجي لهذه الهجمات من قبل المستوطنين الذين يسعون إلى مصادرة أراضي وبيوت الفلسطينيين من خلال الترهيب.
اليمين المتطرف المشهود
منذ استعمار الأراضي الفلسطينية واحتلالها عام 1967، ظهرت عدة مجموعات متطرفة بدافع ترويع السكان الأصليين وتكميم أفواههم ، ومنعهم من الحديث عن الاستقلال أو حتى السعي نحو المطالب السياسية. ثم انصهرت هذه المجموعات المتطرفة في شكل منظمة سرية لتتحول الى حركة أكبر مستوحاة من الحاخام مئير كاهانا. ونتيجة الانصهار بين الأرثوذكسية الدينية اليهودية والمسيانية الاستعمارية، مثلت “الكهانية” تفوقاً يهودياً معادياً للعلمانية، وباتت تجسد اليمين المتطرف المتعصب والعنيف. و”الكهانية” هي مصطلح رائج وسط “الطبقة السياسية الإسرائيلية” وتشير الى مواقف عنصرية خطيرة على غرار تلك التي نادى بها “مئير كاهانا” في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
تم تهميش هذا الشكل من الصهيونية الدينية خلال العقود الأولى من الاحتلال الإسرائيلي، لكنها مؤخراً استغلت الانتخابات كوسيلة للانتقام، ففي الانتخابات التي جرت في آذار 2021، صوت مستوطنو الضفة الغربية بوضوح لليمين المتطرف، وأعطوا 21.6٪ من الأصوات لـ كهانيون هاتسيونوت الحداتيت “الصهيونية الدينية”، و 19.4٪ لليكود، و 29٪ لحزب يادوت هاتوراه “يهودية التوراة” وشاس “الأرثوذكس السفارديم”، بالإضافة إلى 13.6٪ الى “يمينا” وهو حزب رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت.
لقد ساعد صعود إسحاق رابين إلى السلطة في عام 1992 في جعل المستوطنين متطرفين، وكان على الأرض انتشار للبؤر الاستيطانية غير القانونية المدعومة من قبل اليمين القومي، الذي يعارض أي مفاوضات إقليمية مع الفلسطينيين. زيادة على ذلك، أدى تطبيع التبادلات مع منظمة التحرير إلى تغيير علاقة الحركة الاستعمارية باليسار الصهيوني. وحتى الآن، في نظر اليمين المتطرف، أصبح رابين خائناً يعمل ضد مصالح الشعب اليهودي.
استراتيجية التحرش الدائم
منذ اتفاقات “أوسلو”، ظهرت التجاوزات المتطرفة بين شريحة الشباب اليهودي الجديد، حتى وجد كثير منهم أنفسهم في مباني جاهزة أقيمت على قمة التلال لتذكير السكان الفلسطينيين بأنهم هم ” الأسياد”. و في هذه الديناميكية ومنذ عام 2008، تضاعف ما يسمى بـ “علامة المحير”، وهي طريقة تشغيل يطالب بها المتطرفون اليهود الذين يستهدفون السكان الفلسطينيين لإجبارهم على تقديم التنازلات الإقليمية في الضفة الغربية. بالإضافة الى عمليات تخريب في القرى الفلسطينية، مثل حرق أو قطع أشجار الزيتون المملوكة لعائلات فلسطينية، ورشق فلاحين أو قطّاف الزيتون بالحجارة …
كانت حركة الشباب ضعيفة نسبياً حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، واكتسبت زخماً رداً على الانتفاضة الثانية. يتبنى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عاماً، من مختلف الأنماط، أسلوب حياة يعتمد على الصلاة والتأمل والغناء. يجوبون الضفة الغربية بين البؤر الاستيطانية، يرتدون في أغلب الأحيان المعطف وأحذية المشي لمسافات طويلة وكبة مطرزة ملونة.
يُظهر البعض ارتباطاً بالعمل الزراعي ويطمحون إلى عيش تجربة العودة إلى الوطن، مستوحاة من رواد الصهيونية في بداية القرن العشرين. بينما يعبر آخرون عن تمرد ضد تعليمهم البرجوازي أو الاستبدادي، ويظهرون أنه يمكنهم الاندماج بسهولة في أماكن الحياة هذه خارج الأطر التقليدية.
وعلى مدى عقود، اتهم خبراء الأمم المتحدة حكومة وجيش الاحتلال الاسرائيلي بعدم بذل جهود كبيرة للحد من هذا العنف وحماية الفلسطينيين، ولكن دون أي جدوى على الأرض، بل على العكس من ذلك تفاقمت حدة العنف الممنهج ضد الفلسطينيين. ففي تموز 2015 تم إلقاء زجاجة حارقة على منزل في قرية دوما الفلسطينية، مما أدى إلى مقتل عائلة بأكملها، ولم ينجو منها سوى طفل واحد يبلغ من العمر أربعة أعوام، رغم إصابته بحروق بالغة. هذه الجريمة تضاف الى سلسلة الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال والمستوطنين بحق الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من ستين عاماً، وتحطم رواية السكان اليهود الأبرياء الذين أجبروا على الدفاع عن أنفسهم من أجل العيش في سلام وأمن. وفي محاولة لإظهار محاسبة المستوطنين، تقوم سلطات الكيان باعتقال عدد من الشباب من المستوطنات وتضعهم رهن الاعتقال الإداري، وهي طريقة يعرفها الفلسطينيون حق المعرفة فهي تسمح بالاحتجاز دون محاكمة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد.
رغم ذلك، لا تزال البؤر الاستيطانية تحظى في الغالبية العظمى من الحالات من الدعم الضمني من الإدارة الصهيونية. وهكذا، فإن شباب التلال يرون أنفسهم طليعة استعمارية، أي “الجزء الفاحش والمرئي من الاستعمار” الذي هو في الواقع نتيجة الأيديولوجية الموجودة في صميم تأسيس الكيان الصهيوني. على سبيل المثال يصف وزير الدفاع بيني جانتس عنف المستوطنين بأنه “ظاهرة خطيرة”، ويدعي أنه يريد إنهاءها، لكن في الوقت عينه يضع ست منظمات فلسطينية غير حكومية هي الأكثر نشاطاً وفعالية في مجال حقوق الانسان ومقاومة الاحتلال، على قائمة المنظمات الإرهابية.
حقيقة، هذا الإرهاب هو نتيجة سنوات من الإفلات من العقاب، فالكيان الإسرائيلي يحظى بدعم امريكي لا مشروط ولا محدود، ويفلت من عقاب مجلس الأمن، ومستوطنون متطرفون يفلتون من العقاب والمحاسبة. لكن هذا التطور للحركة الصهيونية يبدو أنه غير قادرة على إدامة كيان ذي أغلبية يهودية في جميع أنحاء فلسطين، وبالتالي لن يكون هذا الكيان قادر على محو الوجود الفلسطيني من الأراضي المحتلة.