هل هي حقاً “مرحلة عالمية جديدة”؟!
أحمد حسن
ليس عابراً في سياق التحولات الدولية أن تتحدث مصادر دبلوماسية غربية، وليس شرقية، عن “مرحلة جديدة تخيّم على العالم” إثر القمة الثانية في عام 2021 بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، التي عقدت عبر تقنية الفيديو منذ أيام قليلة ماضية.
ما دفع هذه المصادر إلى استخدام هذا التعبير هو حقيقة أن “القمة” لم تذهب فقط نحو “تأكيد أعلى مستويات التكامل العسكري والتنسيق السياسي” بين الطرفين، بل تحدثت أيضاً وبوضوح تام عن “اتفاق بوتين مع نظيره الصيني على إنشاء بنية مالية مستقلّة لخدمة العمليات التجارية بين البلدين، من شأنها ألّا تتأثّر بالدول الأخرى” كما قال يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي.
على أرض الواقع هذا “قول” علني ببدء معركة التحرّر من سطوة الدولار وإعلان حرب مكتملة الأركان على أهم مصادر قوة واشنطن في عالم اليوم ، وأمام ذلك يصبح من النافل ترداد تعابير وجمل خلصت إليها “القمة” مثل إعراب الرئيسين عن قلقهما “بشأن نشاط الأميركيين في إعادة هيكلة الوضع الحالي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”، كما إدانتهما المشتركة لإنشاء تحالفات جديدة، “كواد” و”أوكوس”، باعتبارها “تقوّض الاستقرار النووي في المنطقة”، وإعلان البلدين دعمهما لمطالب بعضهما البعض من الغرب، سواء مطلب موسكو بخصوص تمدد “الناتو” نحو حدودها، أو مطلب بكين بخصوص مجالها الوطني والجيوسياسي، فذلك، أي القلق والإدانة والدعم المتبادل، كلام دبلوماسي معتاد في “قمم” الساسة الدوليين وغيرهم.
والمفارقة أن تقديم الشكر واجب هنا لواشنطن قبل سواها، فهي التي دفعت، ومازالت، إلى تقارب البلدين نتيجة سياستها المناهضة لهما معاً والتي تأخذ أشكالاً متعددة، سواء كانت استفزازات عسكرية مباشرة – موسكو من بوابة توسّع حلف الناتو باتجاه أوكرانيا، الصين من بوابة الحشد الأمريكي العسكري والسياسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ – أو عن طريق قوتها الناعمة – “قمة الديمقراطية” واستبعادهما معاً عنها مثال بيّن – أو العقوبات الاقتصادية، وهذه الأخيرة تحديداً هي الدافع الأكبر للدولتين في سعيهما للبنية الماليّة المستقلّة التي “يطمحان” طبعاً لتوسيع عدد المتعاملين معها مستقبلاً.
وبالطبع، فإن هذا “الدفع” الأمريكي حصل ويحصل رغم محاولة بعض الأطراف في “الإدارة” اتباع أسلوب “فرق تسد” عبر محاولة تحييد روسيا ومحاصرة الصين حيناً، واللعب على التناقضات الطبيعية، و”المصلحيّة”، بينهما حيناً آخر، بيد أن الأمر لا ينجح بسبب طبيعة الإمبراطورية الشرهة لإخضاع الجميع وخاصة في هذه المرحلة الحرجة من الصراع على قمة العالم، وهذه “الطبيعة الشرهة” هي ما يدفعها إلى رفض كل مقترحاتهما لتحسين العلاقات معها – المقترح الروسي الأخير حول أوكرانيا مثالاً – بذلك هي تدفع العلاقات بينهما، حكماً، إلى حيث “لا توجد نقطة نهاية في التعاون الاستراتيجي، ولا مناطق مقيّدة، ولا حدود عليا” على ما جزم وزير الخارجية الصيني، وإلى “أعلى مستوى لها في التاريخ”، كما أكد الرئيس بوتين.
إذاً هذا صراع مفتوح ومستقطب لآخرين في الآن ذاته – واقعة دخول سفينة حربية ألمانية لأول مرة منذ نحو عقدين إلى بحر الصين الجنوبي دليل هام على ذلك – لكن التاريخ أصبح محكوماً بمسار محدد، وهذا سفير الولايات المتحدة السابق في الهند وصانع السياسات المخضرم في واشنطن، روبرت بلاكويل، يعترف بذلك حين قال “إن التفوّق الأميركي في المنطقة أصبح الآن وهمياً”.
واشنطن تعي ذلك، وتحاول إعادة استجماع أوراقها “الحربية” في جوارهما معاً – لإرهاقهما أيضاً بسباق تسلح مكلف – حيث تتزاحم اليوم جيوش وحاملات طائرات وأسلحة أخرى، وهذا يعني تحوّل المنطقة لحقل ديناميت كبير لا يحتاج سوى عود ثقاب لإشعاله، لكن جوارها هادئ ومستقر، وحين تتغير هذه الصورة يمكن لنا، حينها فقط، الحديث بحق عن “مرحلة جديدة تخيم على العالم”.