خان الشونة جدّ “المول”
غالية خوجة
الجمال والحيوية جوهر العراقة التي يشعر بها الزائر إلى خان الشونة الذي تحوّل إلى مهرجان صناعة وتسوّق للمنتجين وهم يتنافسون في عرض أعمالهم وبضائعهم اليدوية ومهاراتهم الفنية في مختلف أنواع الحرف التراثية، الفلكلورية، الفنية، واليومية.
ولهذا الخان، كمعلم أثري محلي وعالمي، سيرته القديمة المتجدّدة، كونه يتكامل مع الصورة الكلية لمباني مدينة حلب القديمة، خصوصاً وأنه يمتد في بقعة بين قلعة حلب وجامع الخسروفية، تاركاً لذاكرته أن تصير صوتاً يختلط مع أصوات البهجة العاكسة لأفراح الأهالي والمنتجين معاً، وهنا، نسمع صوتاً يخرج من الحجارة البازلتية العتيقة، والحجارة التي استعادت حضورها مع إعادة الإعمار والترميم والتأهيل، ليخبرنا كيف بنى هذا الخان خسرو باشا والي حلب عام 1548م، وكيف أخذ اسمه من وظيفته التخزينية لقشور الحبوب التي كانت تباع كعلف بينما عائداتها مخصّصة كوقف لسد احتياجات طلاب العلم في جامع الخسروفية، المتسع لوعي يتكامل مع العلوم التشريعية والعلمية والفلسفية، بينما يشكّل الشعر محوراً أساسياً لشروق القلب والعقل معاً.
ولأن بقاء الحال من المُحال، فإن حلب المبنية على هضبة مرتفعة عانت العديد من الكوارث البشرية المحتلة، والكوارث الطبيعية، ومنها زلزال عام 1822م، مما جعل خان الشونة يتأثر كما حلب، ليعيد ترميمه ماركوبيلي بموجب قانون الإجازتين، والذي تقضي مواده بمنح استملاك الحوانيت بعد ترميمها.
الخان المبتهج لاستضافته الدورة الثانية من “المنتجين” يبتسم مع القلعة محتفياً بالصنّاع والبائعين والمشترين، ولا ينسى كيف استملكته وزارة الثقافة، ثم تحولت ملكيته لوزارة السياحة عام 1989م، ليصبح سوقاً للمهن اليدوية والتراثية لتستمر وبتنافسية جميلة مع الصناعات الأخرى وتطورها الحالي، مؤكدة أنها مهن تعكس رائحة الأزمنة وتطورها عبْر القرون، فمن المحال أن يزور السائح المحلي والعربي والأجنبي الخان دون أن يشتري الهدايا التذكارية، والتحف الشرقية، مثل جرة العطر الفخارية، وإناء أصيص الورد، والأقمشة التي تبدو لوحة فنية يزينها العلم السوري، أو تطريز فني لمعلم حلبي أثري مثل القلعة.
ويعتبر خان الشونة كمركز تسوق قديم وحديث من أجداد “المول” بالمصطلح المعاصر، وهو يتمتّع بتخطيط عمراني مميز خاص به، لأنه بُني بتصميم الأسواق الكبرى ومساحته مؤلفة من سوقين متصالبين، تضمان عدداً من الحوانيت، بينها فاصل جميل هو عبارة عن بهو بسقف مغموس مصلب تتخلله عدة فتحات للتهوية والإنارة، ويرتفع على أكتاف حجرية، ليبدو وكأنه الرأس الممتدة بأياديها المتعدّدة إلى الحوانيت والدكاكين، وهذا الجمال العمراني للسقف يُسمّى “القيسرية”.
ولهذا الخان ثلاثة مداخل لكل منها باب خشبي كبير، بينما مدخله الرئيسي يتجه شرقاً، وللمتأمل فيه أن يبصر لوحة فنية مؤلفة من قبة نصف كروية كبيرة، تعلو باب الخان نافذتان مستطيلتان وفوقهما مثلث مفرغ يتجه إلى الأعلى وهو رمز للسماء، مما يعني أن الاتجاه نحو الشرق والشروق هو حالة تفاؤل، وأن الإطلالة إلى الأعلى تتلو معنا “وفي السماء رزقكم وما توعدون”.
ويتقدم هذا المدخل رواقان مقببان بقبب نصف كروية على جانبي المدخل، تتميز بالأقواس المدببة، وحين نصل إلى جنوب الخان نجد فناء مكشوفاً له درج يؤدي إلى سطح الخان.
هذا المكان الساحر يستعيد رونقه وسعادته مع إعادة التأهيل المتسارعة لمدينة حلب القديمة المسجلة على لائحة التراث العالمي-اليونسكو عام 1986، والتي أضيف لها فبل أيام القدود الحلبية كتراث معنوي عالمي وإنساني، إضافة إلى توثيق اللغة العربية ضمن هذا التراث العالمي.