ارتفاع أسعار المفروشات ينعش الأثاث “الستوك” والقديم.. ولا زبائن للجديد!
ضربٌ من الجنون طال أسواق المفروشات ذات الصناعة المحلية الجيّدة خلال العامين الأخيرين، تزامن مع ارتفاع سعر المواد الداخلة بهذه الصناعة، بدءاً من الخشب وصولاً إلى الإسفنج والأقمشة ذات النخب الأول، رافقه ركود ملحوظ في حركة البيع والشراء لهذه البضاعة، في حين شهدت الكثير من المعارض التجارية للمفروشات ذات النخب الرابع حالة من الانتعاش غير المسبوق، فمن يلقي نظرة سريعة على تلك المعارض يجد حالة من الازدهار ظفرت بها ليتجه بعضها إلى إنشاء فروع له في بعض المحافظات بعد أن صنعوا لأنفسهم اسماً في سوق المفروشات، وعلى مبدأ “الغريق بيتعلق بقشة” اتجه معظم الشباب المُقبلين على الزواج اليوم إلى تلك المعارض، ناهيك عن الكثير من الأسر التي فقدت أثاث منزلها خلال سنوات الحرب، لتكون هذه المعارض الملاذ الوحيد لها بغضّ النظر عن الجودة والمتانة!، وعلى الرغم من عودة الكثير من ورشات الموبيليا إلى عملها خلال الأعوام الأخيرة وإقلاعها من جديد، إلّا أن الصعوبات التي واجهت هذه المهنة تفاقمت يوماً بعد يوم ليشهد هذا القطاع قفزات غير مسبوقة، حيث تجاوز سعر غرف النوم ذات المستوى المتوسط ثلاث ملايين ليرة، في حين وصل سعر “الكنبة” الواحدة إلى 900 ألف ليرة، الأمر الذي جعل الكرة في ملعب “المعارض الستوك”.
كساد الموبيليا
في حديثنا مع أصحاب هذه المهنة لمسنا الكثير من الأسف على ما آل إليه واقع عملهم، مُلقين اللوم على الأزمة وما رافقها من هجرة الكثير من اليد العاملة في ظل عدم قدرتهم على الاستمرار بعد أن فقدوا ورشاتهم، ناهيك عن العقوبات الاقتصادية التي تزامنت مع عودة الأمان إلى معظم مناطق تجمع هذه الورشات لتبدأ مرحلة جديدة من الصعوبات بنقص المواد الأولية وارتفاع سعرها في حال توفرت بالتالي رفع سعر الموبيليا وضعف القدرة الشرائية وتوجّه الناس لشراء البضاعة الرديئة مع كساد الأثاث الجيد والممتاز. وأكد البعض على أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت أصحاب هذه الورشات “البازارية” على تسويق منتجاتهم بشكل أكبر، من خلال تقديم صور لكافة ألوان وأشكال التصاميم الجذابة شكلاً، في حين أنها غير عملية على أرض الواقع، كما يتمّ اللجوء في الكثير من الأحيان إلى تقديم هدايا وعروض مع أي فرش يتمّ شراؤه كأسلوب للترغيب والتشجيع على الشراء، علماً أن التاجر غير خاسر أبداً بل على العكس مع اعتماده على خشب الـ Mdf في تفصيل الفرش سيكون رابحاً حتى في حال تقديمه لهدية مع الأثاث.
كلف عالية جداً
وفي خضم التنافس بين أصحاب ورشات الموبيليا ممن يقدّمون للسوق المحلية صناعات ذات جودة عالية وبين الصُّناع التجاريين الواهمين والموهمين المواطنين بمفروشاتهم، برز سوق المفروشات المستعملة التي ضمّت جميع أنواع أثاث المنزل تزامناً مع هجرة الكثير من السكان خارج البلد وبيعهم منازلهم وأثاثها بأسعار رمزية تحت بند “بداعي السفر”، لتنشأ فئة من التّجار ممن أداروا عمليات البيع هذه عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو في محال تجارية شُيّدت خصيصاً لبيع الأثاث المستعمل والذي لاقى رواجاً كبيراً، خاصّة وأن الأثاث القديم يتميّز بجودته العالية مقارنة بالجديد، ليؤكد لنا مدير البيت التجاري في اتحاد الحرفيين خالد الفياض توجّه الكثير من الناس اليوم لشراء الأثاث القديم وإعادة تنجيده مع الحفاظ على الهيكل الخارجي ذي القوام الجيدّ، وقدّر الفيّاض العاملين في النجارة اليوم بـ76573 حرفي قبل الأزمة، أما حالياً فقد تقلّص إلى نحو 40 ألف حرفي نجارة، بنسبة عمل وصلت إلى 60% في جميع المحافظات، ففي ريف دمشق تراجعت نسبة العمل بالموبيليا إلى 40% وفي درعا إلى 30%، في حين وصلت إلى 60% في السويداء وطرطوس وحماة والحسكة، أما في حلب فقد بلغت 35%، وأرجع مدير البيت التجاري السبب في ضعف النشاط إلى ارتفاع أسعار الخشب المستورد “الزان، اللاتيه، البلاكيه” والقشر الخاص بالتلبيس والغراء، ناهيك عن الطاقة الكهربائية غير المتوفرة بشكل مستمر.
جهود وحلول
وتحدث مدير البيت التجاري عن عزوف الناس عن الشراء بسبب الكلف العالية، حيث تجاوز سعر متر خشب الجوز المستورد الـ14 مليون ليرة، أما خشب الزان فقد تجاوز الـ5 ملايين، في حين وصل سعر برميل الغراء إلى 400 ألف ليرة، ويتمّ الاستيراد من روسيا وأمريكا اللاتينية، لذا لا تُلبي هذه الورشات حاجة السوق المحلية بسبب ضعف القدرات المالية للناس والحرفي، خاصّة وأن أغلب الورشات تعمل بمعدل أربع ساعات يومياً، إضافة إلى قيام بعض أصحاب الورشات بتقليص عدد العاملين لديها لتوفير الأجور على صاحب العمل ولعدم وجود ساعات عمل طويلة تحتاج لعدد كبير من العمال، إضافة إلى انعدام التصدير لهذه الصناعة في الوقت الراهن، لينحصر زبائن المفروشات ذات النخب الممتاز بشريحة معيّنة قليلة.
وقدّم الفياض جملة من الحلول لإعادة إقلاع هذه الورشات، تمثّلت بضرورة إعفاء الورشات الصغيرة من الضرائب لمدة سنتين ريثما تنهض من جديد، مع ضبط أسعار المواد المستوردة لهذه الصناعة بالتالي تنخفض قيمة المنتج تلقائياً، مشيراً إلى سعي الاتحاد مع الجهات المعنية لرفع الجمارك عن المواد الداخلة بهذه الصناعة مع توفير الطاقة الكهربائية لجميع الورشات بهدف زيادة ساعات عملها، لافتاً إلى ضرورة ضبط أسعار الخشب والموبيليا في السوق، خاصّة وأن كل تاجر يضع سعراً خاصاً به الأمر الذي يؤدي إلى خلخلة في سوق المفروشات!.
بالمختصر.. لا بدّ من توحيد المساعي للنهوض بهذا القطاع من جديد وعودة وجود المفروشات والموبيليا السورية في الأسواق العالمية، خاصّة وأنّ هذه الصناعة حفرت لنفسها مكاناً مهماً في تلك الأسواق على مدى عقود طويلة، عدا عن مراقبة أسعارها الجنونية التي لا تناسب جيوب أصحاب الدخل المحدود.
ميس بركات