اقتصادصحيفة البعث

حُماة التراث تحت رحمة الابتزاز والاحتكار.. استيراد المواد الأولية حلالٌ على التجار حرامٌ على غيرهم

دمشق – ريم ربيع

حتى تلك الأيادي الماهرة المتكفلة بحماية الموروث الثقافي السوري لم تسلم من احتكار حفنة من المستوردين وابتزازهم، إذ ينوء اليوم الحرفيون تحت رحمة تجار ومستوردين يتحكمون بتأمين المواد الأولية للحرف اليدوية التقليدية، ويبازرون في أسعارها والكميات التي يسمحون بالإفراج عنها، فحتى لو توفرت المواد التي يطلبها الحرفي لا يتاح له شراء كامل حاجته منها، بل يفرض عليه التجار الشراء بالقطعة أو بالكيلو حسب المادة، وبأسعار باهظة.

تقنين

بين الصّدَف والخشب وأدوات الرسم والحفر يقنن الحرفي باحتياجاته ويعمل بما يسمح به التاجر، فالقلة القليلة المتبقية من الحرفيين والتي لم تهجرها الحرب وتدمرها، لم يبق لهم سوى رحمة بعض المتنفذين في ظل غياب أي دعم لمتابعة عملهم الذي تفردت به سورية على مر العصور.

تسّلط

يبوح حرفيون لـ”البعث” بالمصاعب التي يواجهونها في تأمين المواد الأولية بعد أن ضاقت بهم كل السبل، فمحاولات الحصول على إجازات استيراد باءت بالفشل، وتوجههم إلى غرف السياحة واتحاد الحرفيين لم يفلح أيضاً بالحصول على أية موافقة، فيما يوجد مستورد واحد أو اثنين فقط يتحكمون بتأمين العديد من المواد إما استيراداً أو تهريباً، أما بقية المواد المتوفرة فهي تباع بعدة أضعاف ثمنها الحقيقي، حيث يجيب التاجر بكل ثقة على اعتراضهم “اللي مو عاجبه لا ياخد”.

أرباح خيالية

ويشير حرفيو الشرقيات والموزاييك الذين يعتمدون بشكل أساسي على الأصداف المستوردة، أن شراء الصدف يتم عبر مستورد واحد فقط، ويكون الاتفاق عبر الرسائل النصية وليس في موقع محدد بحجة أنها مهرّبة، فيما يحدد المستورد كيلوغرام واحد أو اثنين فقط لكل حرفي ويتم إيصالها إليه، الأمر الذي أكده رئيس شعبة المهن التراثية في اتحاد غرف السياحة عرفات أوطه باشي موضحاً أن الصدف البحري الذي يستخدمه الحرفيون يأتي حصراً من الفلبين، ويبيعه التاجر هنا بـ280 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد، فيما يبلغ سعره في بلد المنشأ 10 دولار، أي أن الربح في كل كيلو يقارب 250 ألف ليرة.!

مزاجية التجار

وأضاف أوطه باشي أنه لم يمنح لغرف السياحة أية موافقة على الاستيراد، علماً أن أغلب المواد التي يحتاجها الحرفيون هي مستوردة، كبودرة أو ورق الذهب والفضة ورِيَش القطع والرسم، وكذلك الخشب والصمغ، حتى أقلام الفلوماستر مستوردة، وفيما يشكل الصدف أبرز المواد المحتكرة، يمكن القول أن بقية المواد يستوردها عدة تجار ولكن بأسعار غالية لا تتناسب مع قيمة ارتفاع الدولار إذا كان هذا هو المعيار، وهي أيضاً بكميات محدودة ونوعيات رديئة.

وبحسب السوق فإن ثمن بعض أنواع الأخشاب يتجاوز 20 مليون ليرة للمتر الواحد، أما الألوان –المتوفرة بإنتاج محلي- ففي كل مرة يذهب الحرفي لشرائها يجدها بسعر أغلى، ويأتي هذا في وقت يخشى فيه الكثير من الحرفيين الحديث بالأسماء لأنه “إذا زعل التاجر يبطل يبيع.!”.

على حافة الانهيار

وطالب رئيس شعبة المهن التراثية السماح لغرف السياحة أو اتحاد الحرفيين باستيراد المتطلبات الرئيسية، حيث يمكن إحصاء جميع الكميات التي يحتاجها الحرفيون واستيرادها دفعة واحدة أو على دفعتين، وبذلك يتم حل المشكلة وضبط الأسعار، موضحاً أن الحرف التراثية بحاجة دعم على جميع المستويات نظراً لتفرد سورية بها، والتسرب الكبير للحرفيين الذي تم خلال السنوات الأخيرة، فهناك حرفيون أغلقوا ورشاتهم بسبب الضريبة العالية المترتبة عليهم رغم قلة الإنتاج، وغيرهم توقفوا عن العمل لغياب الكهرباء وارتفاع ثمن المحروقات في السوق السوداء في ظل قلة توفرها من المصادر الرسمية، مبيناً أن انقطاع الكهرباء خفض من قيمة المنتج 90%.

وعلى مستوى التصدير أوضح أوطه باشي أنه كل شهر يصدّر حرفي أو اثنان عدداً محدوداً من القطع، بعد أن كان التصدير أسبوعيا، وذلك نظراً لضعف الإنتاج وصعوبة تحويل الأموال من الخارج.