مبادرة صينية من أجل الأمن والسلام العالميين
ريا خوري
نتيجة لاستشعارها بازدياد الخطر العالمي جراء إنتاج وانتشار أسلحة الدمار الشامل وتحديداً السلاح النووي، فتحت الصين نافذة جديدة لبدء حوار حقيقي وجاد بين الدول النووية الخمس الكبرى حول الاستقرار الاستراتيجي العالمي، الأمر الذي سيؤدي بشكل عملي إلى تعزيز الأمن والسلام الدوليين، ويبعد عن العالم مخاطر استخدام الأسلحة النووية المدمرة.
ولا شك أن مبادرة الصين تلتقي مع الحوار القائم بين روسيا والولايات المتحدة منذ منتصف العام الحالي حول الاستقرار الاستراتيجي العالمي، وكذلك مع ما تمّ الاتفاق عليه بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ، والأمريكي جو بايدن في قمتهما الافتراضية التي عقدت في تشرين الثاني الماضي، واتفقا خلالها على بدء النظر في حوار جاد وعملي حول الاستقرار الاستراتيجي في العالم.
ارتبط مفهوم الاستقرار الاستراتيجي لعقود خلت بالردع النووي وعقيدة التدمير الشامل المتبادل، وأصبح مرادفاً لمصطلح توازن القوى بين دول النادي النووي وغيرها. وفي هذا الإطار أجريت خلال عشرات السنين الماضية، وتحديداً منذ ستينات القرن الماضي عدة محادثات مباشرة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة وأدت حينها إلى توقيع العديد من الاتفاقات المهمة بشأن الحدّ من الانتشار النووي، وتقليص الترسانات النووية لدى البلدين من أجل الحؤول دون تصعيد غير مقصود ينتهي بحرب نووية بين الدول.
في هذا السياق، وانطلاقاً من العديد من الاتفاقيات والتفاهمات، فإن مبادرة الصين بالاستعداد للحوار في إطار دول النادي النووي الخمس، ومؤتمر جنيف لنزع أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها السلاح النووي، وإجراء مناقشات معمقة مع جميع الأطراف حول مجموعة واسعة من المواضيع والقضايا المتعلقة بالاستقرار الاستراتيجي الدولي، تعني مساهمة مهمة في حفظ السلام والأمن في جميع أنحاء العالم دون استثناء، وإبعاد شبح الحرب النووية المدمرة، كما أنها تخفف من التوترات الدولية المتصاعدة أو استمرارها، وتوفر بيئة دولية جديدة للتعاون الدولي المشترك.
لم تتوقف الصين عن التأكيد في مبادرتها أنها ملتزمة بالطبيعة الدفاعية لسياسة الدفاع الوطني أمام دول العالم، وملتزمة بسياسة عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية، كما لم تنشر الصين أي أسلحة نووية خارج أراضيها حتى هذه اللحظة، ولم توفر أبداً مظلة نووية للدول الأخرى على الإطلاق وهي ملتزمة بذلك. من هنا كان الموقف الصيني الجديد بمثابة رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة بالتحديد للانخراط في مناقشات حول الأسلحة النووية، والانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات النووية ذات الصلة، وهي بذلك تفتح الباب من جديد لبدء حوار حول الاستقرار الاستراتيجي القائم على الندية والضمانات المشتركة، خاصةً وأنه سبق للصين وروسيا أن تعهدتا عام 2019 في بيان مشترك على تعزيز وحماية الاستقرار الاستراتيجي العالمي المعاصر. وكان البيان قد حذّر من القيام بأية أفعال شديدة الخطورة من جانب بلاد بعينها، والتي بدافع مصالحها الجيوسياسية والجيو استراتيجية والتجارية، تدمر أو تكيّف النظام العالمي الحالي للسيطرة على الأسلحة وحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل وفقاً لاحتياجاتها.
إن أي حوار جاد ينشأ بين دول النادي النووي بشأن الاستقرار الاستراتيجي العالمي، يجب أن يقوم على ركائز ثلاث هي حظر انتشار الأسلحة النووية، ونزع السلاح النووي، والاستخدام السلمي للطاقة النووية، في إطار نظام القوانين والتشريعات والآليات الدولية الخاصة بحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل والسيطرة عليها سيطرة تامة ودون أي تأخير.