الامتحانات الجامعية.. عقود من الزمن وما زلنا نجتر أسلوب الأجداد!
بقي أقل من شهر على موعد الامتحانات الجامعية التي لا تزال بأسلوبها الحالي تشكل هاجساً مرعباً للطلبة، ما جعلها موضع انتقاد دائم منهم فيما يخصّ طريقة الأداء والمضمون والأخطاء التي تحصل، حتى أنها لم تسلم من انتقاد الأساتذة لجهة انشغالهم بتصحيح الأوراق الامتحانية على مدار العام بتعويض لا يوازي التعب والإرهاق، وخاصة في الكليات ذات الأعداد الكبيرة كالآداب والحقوق!.
معالجة المرض!
الغريب أن هناك مئات ورشات العمل والندوات، أقامتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجامعات السورية الحكومية بغاية تصحيح أو معالجة “أمراض” الامتحانات، لكن الوقائع تشير إلى أن لا شيء جديداً إلا بالشكل، حيث تمّ الانتقال من الأسلوب التقليدي إلى الأتمتة، حتى هذا الأسلوب (الأتمتة) الذي اعتبره المعنيون في “التعليم العالي” إنجازاً بدأت الكثير من الكليات تتراجع عنه، لأنه ببساطة لم يحقق مبدأ العدالة ولم ينجح كما كان مأمولاً منه في قياس المقدرة العلمية للطالب.
الشكوى دائمة
ربما يكون طلبة كليات الحقوق من أكثر الطلبة الذين يعانون من ظلم الامتحانات، والسبب يعود لكثافة عددهم، وعلى الرغم من أن الأتمتة طبقت على العديد من مواد الامتحانات لكن بقيت الشكوى من الظلم، بحسب الطالب محمد، مشيراً إلى أن ذلك مخالف للقوانين الجامعية!.
وفي شأن متصل بالكلية أثار بعض الطلبة أمراً مهماً بخصوص أن بعض المقررات يدرّسها أساتذة غير مختصين بدليل المعدلات العالية التي لا تنمّ عن فهم الطلبة للمنهاج، مشيرين إلى أنه سابقاً كان مؤلف المقرّر هو الذي يدرّسه ويصحح أسئلة الامتحانات، فكانت الدرجات عادلة ولو كانت متدنية.
واشتكى الطلبة من تأخر توزيع الأوراق الامتحانية ووجود أسئلة من خارج دفتي الكتاب، والتي لا تناسب مستويات الطلبة!، فيما تكررت الشكوى في الكليات الهندسية من قلة الوقت وعدم مناسبته للأسئلة، مطالبين بتمديده أو اختصار الأسئلة، وكما هو متوقع لم تغب الشكوى من ضعف نسب النجاح بشكل مخالف للقانون، وأشار بعض الطلبة إلى أن النسبة قد لا تتجاوز الـ5% ويمكن أقل.
معاقبة المراقبين
وما يزيد الطين بلة فوق همّ الامتحانات هو الأجواء المشحونة التي يفرضها المراقبون دون أي اعتبار للحالة النفسية للطلبة، فنادراً ما يمرّ موسم امتحاني دون الشكوى من المراقبين غير المؤهلين، حيث بعضهم يتخيّل نفسه الآمر الناهي ويتصرف كما يحلو له إلى حدّ طرد الطالب من القاعة على أتفه الأسباب!، وللأمانة تعمل جامعة دمشق على معاقبة أمثال هؤلاء المراقبين وأكد المعنيون فيها إحالة البعض منهم إلى الرقابة الداخلية واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم، ولا يختلف الأمر في الجامعات الأخرى بحلب والبعث وتشرين وغيرها، لكن السؤال: لماذا تستمر مشكلات المراقبين؟، في الإجابة عن هذا السؤال، رأى العديد من الطلبة في كلية الآداب بجامعة دمشق أن هناك سوءاً في اختيارهم، وتساءل أحدهم: هل يعقل أن يكون موظف من الدرجة الخامسة مراقباً في القاعة ويتحكم بمصير الطلبة؟، بالفعل يلاحظ أن هناك عدداً لا بأس به من الذين يعملون كمستخدمين (مراسلون للبريد بين دوائر الجامعة) يكلفون بالمراقبة، علماً أن جامعاتنا لديها جيش من الموظفين من الفئة الثانية!!.
اقتراح بنّاء
عدد لا بأس به من طلبة الجامعة اقترحوا أن يخضع من يكلّفون بالمراقبة لدورات تأهيل في كليات التربية لمعرفة كيف يديرون العملية الامتحانية في القاعات، على أن يكونوا كلهم من موظفي الدرجة الثانية، وقال آخرون “لا نقبل أن تكون تنفيعة الموظفين بمكافأة مالية لقاء المراقبة على حساب مصلحة الطلبة”.
أستاذ جامعي مخضرم فضّل عدم ذكر اسمه أشار إلى مشكلة في غاية الأهمية تتعلق بغياب مهارات التواصل بين الأستاذ وطلابه، وحتى بين المراقبين والطلبة داخل القاعة الامتحانية، لذلك لا عجب برأيه أن تحدث المشكلات داخل القاعة، داعياً إلى ضرورة تعلم تلك المهارات التي باتت من أساسيات التدريس الناجح، ففي التعليم لا يكفي أن يمتلك المدرّس المعلومات، بل الأهم إتقان إيصالها بشكل سلس ومرغوب للطلبة المتلقين.
ليس بالأسلوب الأمثل!
برأي الدكتور قصي عجيب /قسم المكتبات بجامعة دمشق/ أن تقييم الطالب من خلال امتحان نظري له النسبة الأكبر من الدرجات ليس بالأسلوب الأمثل لتحديد مدى تمكّن الطالب من المادة العلمية التي قُدّمت له (هذا على افتراض التزام الطالب بالحضور المتواصل للمحاضرات، فكيف بالطالب غير الملتزم!!)، مشيراً إلى أن جامعاتنا تعتمد منذ زمن بعيد نظام تقييم الطالب بشكل كبير على الامتحان النظري في نهاية الفصل الدراسي (في النظام الفصلي) ويكون له النسبة الأكبر من الدرجات تتراوح ما بين (70– 80%) بينما يكون للجانب العملي التطبيقي من (20– 30%) حسب طبيعة الكلية، موضحاً أن هكذا أسلوب في التقييم من خلال امتحان واحد في نهاية الفصل الدراسي لا يُنتج طالباً يمتلك المعرفة العلمية والمهنية التي يجب أن يتسلّح بها للانطلاق إلى سوق العمل، وعليه يجب الاهتمام بالجانب العملي التطبيقي أكثر في جميع التخصّصات. ويقترح عجيب أن يكون تقييم الطالب على مدار الفصل الدراسي يتضمن (اختباراً بعد شهر من بدء الفصل الدراسي وله 5%، التفاعل والمشاركة والحضور 10%، امتحان نصف الفصل وله 15%، الجانب العملي له 30%، الامتحان النهائي له 40%)، ولو تمّ ذلك يمكن تحقيق عدة أهداف منها: بقاء الطالب على اتصال دائم بالعملية التعليمية، واكتسابه للمعرفة والمهارة في تخصّصه من خلال زيادة الاهتمام بالجانب التطبيقي، كما أنه بإمكان الطالب أن يتعرف أكثر على أسلوب مدرّس المقرر في الامتحان (تعدّد الامتحانات في الفصل الواحد)، إضافة إلى زيادة ثقته بنفسه من خلال المشاركة والتفاعل خلال المحاضرات، وأخيراً التخفيف من وطأة وضغط الامتحان النهائي على الطالب بحيث تتوزع الدرجات على مدار الفصل الدراسي.
نوعية المادة
وترى الدكتورة فاتنة الشعال /العميد السابق لكلية الآداب بجامعة دمشق/ أن التقييم لمدى استيعاب الطالب للمقرّر وفق النظام الامتحاني الحالي أمر يتعلق بطبيعة المادة، مشيرة إلى أن بعض المواد لا يمكن أن نقيّم فيها الطالب بالأسئلة المؤتمتة، كمقرر اللغة العربية، حيث يجب على الطالب تعلم الكتابة والتحليل والمناقشة أثناء الإجابة، بينما يكون مناسباً لمقررات أخرى تعتمد أسلوب الخيارات “الصح أو الخطأ”، بمعنى –تقول الشعال- لكل نموذج من الأسئلة إيجابيات وسلبيات، فمثلاً النموذج التقليدي يقيس مقدرة الطالب على التحليل والمحاكمة، ولكن هناك صعوبة في التصحيح وخاصة للأعداد الكبيرة، أما نموذج الامتحان المؤتمت فهو ممتاز لبعض مواد اللغات الأجنبية وللكليات التي تحتوي أعداداً كبيرة من الطلاب لأنه يساهم في سرعة إصدار النتائج، مؤكدة أهمية وضرورة التدريب على وضع الأسئلة وعدم تكرارها حتى لا يضطر الطالب إلى دراسة الأسئلة القديمة فقط ويترك المنهاج!. أما بشأن مقترحاتها لتطوير نظام الامتحانات، فقد أكدت الشعال على أهمية إعادة النظر بالنظام التدريسي حيث لا تكفي مدة الفصل الدراسي لإعطاء المادة العلمية بشكل كامل، وخاصة الكليات التي فيها نظام تعليم مفتوح، كونه يضيع نصف الفصل على الامتحانات، وهذه مشكله لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار لما لها من آثار سلبية مرهقة لأستاذ المادة.
أما بشأن نموذج الأسئلة التقليدية فهو برأيها جيد إذا توافق مع طبيعة المادة وحقّق جوهر المقرّر، وبخصوص الأسئلة المؤتمتة طالبت الشعال بإقامة دورات تدريبية على كيفية اختيارها ووضعها بالطريقة الصحيحة من أجل الوصول إلى تقييم صحيح للطالب ومدى استيعابه للمنهاج.
استيعاب جزئي!
الدكتور سامر المصطفى عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق لم ينفِ أن النظام الامتحان الحالي غير قادر على قياس وتقييم مقدرة الطالب واستيعابه للمنهاج، مشيراً إلى أن السبب يعود لوجود مصطلحات كثيرة وجديدة في المناهج تجعل استيعاب الطالب جزئياً أو ضعيفاً، وللخروج من هذا المطب الامتحاني اقترح الدكتور مصطفى إعادة دراسة المقررات وتبسيط مفرداتها بشكل يتناسب مع معايير التعليم لطلاب السنوات الأولى بكل كلية أو معهد.
الخوف من كورونا..
الخوف من الامتحانات ومفاجآتها لم يعد يقتصر على شكلها ومضمونها، فانتشار فيروس كورونا بات يقلق الطلبة، وخاصة في الجامعات التي تعاني من ضيق الأمكنة نتيجة العدد الكبير للطلبة الممتحنين الذين يتخوفون من غياب الإجراءات الوقائية، لكن المعنيين في الجامعات بدّدوا هذا الخوف، فبالاتصال معهم أكدوا اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية اللازمة لضمان سير العملية الامتحانية بأجواء صحية، مطالبين الطلبة الالتزام بالتعليمات الصحية وخاصة “الكمامة” وتجنّب التجمعات في الأماكن الضيقة قبل وبعد الامتحان.
ويبقى أن نقول: إن الأسلوب أو النظام الامتحاني الحالي لم يعد مقنعاً، فالجامعات المجاورة، بل كل جامعات العالم تجاوزت هذا الأسلوب الذي ما زلنا نجتره من زمن الأجداد، فلم يعد مقبولاً أن يبصم الطالب الكتاب الجامعي من “الجلدة للجلدة” ويأتي ليفرغ ما حفظه على الورقة الامتحانية دفعة واحدة دون أن يفهم أو يستوعب بشكل جيد ما اطلع عليه من معلومات!. والإصلاح يبدأ بتطوير المناهج لتكون عصرية تعلّم الطالب التفكير الإبداعي، وامتحانات تركز على مدى الفهم والاستيعاب المعرفي وليس الكميّ الذي يعتمد على مقدار حشو الكلمات!.
غسان فطوم