اقتصادصحيفة البعث

الأول من نوعه.. بحث يحدد متطلبات تحقيق الجدوى الاقتصادية للطاقة “الكهروضوئية”

دمشق – قسيم دحدل

تعرّض قطاع الكهرباء خلال سنوات الحرب الجائرة على سورية للتدمير الممنهج، كما ساهمت السيطرة غير الشرعية للدول المتآمرة والقوى التابعة لها على حقول النفط والغاز في نقص توريد الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء الحرارية، ما أدى إلى اختلال في توازن ميزان الطاقة، حيث أصبح الاستهلاك أكثر من التوليد مما دفع بوزارة الكهرباء إلى تطبيق نظام تقنين لتحقيق هذا التوازن في ميزان الطاقة.

أمام هذه الظروف الاستثنائية ومع تطور تكنولوجية الأنظمة الكهروضوئية التي تقوم بتحويل طاقة الأشعة الشمسية إلى طاقة كهربائية، ومع انخفاض أسعارها العالمية بسبب الإنتاج الكمي للألواح الكهروضوئية، حيث بلغت كلفة الميغاوات عالمياً نحو 995 ألف دولار في عام 2020 بعد أن كانت تتجاوز الـ 3.5 ملايين دولار في عام 2010، كان لا بد من التفكير في التوجّه نحو هذه التكنولوجية الجديدة لتكون رديفاً وداعماً لتوليد الكهرباء من الوقود التقليدي في سورية.

توجّه وللأسف لم يُحضَّر وتُعدّ له بشكل مسبق الأرضية اللازمة تشريعياً وتقنياً ومالياً، فسبق التّجار بعملية الاستيراد لتجهيزات هذه التقنية الجديدة، ما كان يجب تأمينه قبلاً من متطلبات الترويج والتسويق لتكنولوجيا التوليد الكهروضوئي، توازياً مع تأمين مختبرات الفحص والرقابة، حتى يقتنع قطاع الاستثمار والأعمال بالضمان والجدوى الاقتصادية، أي تشكيل الثقة وبالتالي القناعة بهذه التكتولوجيا، وصولاً إلى تركيبها في المنشآت الصناعية وغير الصناعية. هذا ما يسلط عليه البحث أدناه ويكشف خبايا ومحددات ما كان يجب ولم يتمّ، ويقترح بالسرعة المطلوبة اشتراطات النجاح إذا ما أردنا الفَلَاح لهذه التقنية في سورية.

“نوعي” لدعم القرار

وكأي تكنولوجيا حديثة تدخل السوق السورية دون أن يكون هناك دراسات اقتصادية وتقنية وسلوكية تعزّز القناعة وتوجهات الرأي بها، وبالتالي تشكيل “ثقافة طاقية” وطنية تدعم تطبيقها لدى قطاع المال والأعمال ليتمّ تبنيها من قبل المستثمرين، جاءت مبادرة توجّه المعهد الوطني للإدارة العامة في ظل الظروف الحالية الضاغطة على قطاع الكهرباء وخاصة في جانب التوليد، وانطلاقاً من كونه جهة بحثية وتدريبية وتعليمية ترفد المؤسّسات العامة بالكفاءات الإدارية المدّربة التي تساهم قبل تخرجها منه في تقديم الأبحاث التطبيقية الداعمة لعملية اتخاذ القرار في الجهات العامة، بتنفيذ بحث تطبيقي نوعي نفذه الباحث المهندس هاني متري، وبإشراف أكاديمي من المعهد ومن قبل الدكتور أيهم أسد وبالتعاون مع وزارة الكهرباء وإدارة مدينة عدرا الصناعية، عنوانه: “العوامل المؤثرة على اتجاه المشتركين الصناعيين بالطاقة الكهربائية على التوتر المتوسط ومراكز التحويل لتركيب الأنظمة الكهرضوئية- مدينة عدرا الصناعية أنموذجاً”.

تحديد “المؤثرة…”

حول القيمة العلمية والعملية للبحث ومدى احتياجات الجهات المعنية (وزارات الكهرباء والاقتصاد والصناعة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك)، بيّن متري في تصريح لـ”البعث” أن البحث المُنجز سعى إلى تحديد العوامل المؤثرة في اتجاه الصناعيين لتركيب الأنظمة الكهروضوئية والتي تتمثل بالمخاطر المالية، والتسهيلات الائتمانية، والثقة بالتجهيزات الخاصة بالأنظمة الكهروضوئية، والأداء الذي يعبّر عن الفائدة التي تحققها هذه الأنظمة لمستخدميها، بينما يساهم قياس الاتجاه نحو هذه التكنولوجيا الجديدة في معرفة السلوك المحتمل لدى الصناعيين نحو شراء وتبني هذه التكنولوجيا، حيث يقسّم الاتجاه إلى ثلاثة مكونات هي اتجاه سلوكي واتجاه معرفي واتجاه عاطفي.

“عدرا”.. مثلاً…

ولأجل الوقوف على حقيقة اتجاهات الصناعيين وما يمكن أن يتوجسوا منه، تمّ قياس المتغيرات المحتملة من خلال توزيع استبيان على عينة منهم في مدينة عدرا الصناعية، تضمن مجموعة من الأسئلة التي أجاب عنها الصناعيون. وتوصل الباحث إلى مجموعة من النتائج أهمها: أن الصناعيين يحتاجون للتأكد من أداء الأنظمة الكهروضوئية فيما إذا كانت تحقق الفائدة العملية لهم عند تركيبها في معاملهم، وهذا كونها تكنولوجيا جديدة دخلت الأسواق السورية في السنوات القليلة الماضية، كما أن الصناعيين بغالبيتهم يحتاجون إلى قروض وتسهيلات إئتمانية ليتمكنوا من تركيب هذه الأنظمة في معاملهم، إضافة إلى حاجتهم لضمانات حول جودة أداء التجهيزات المتوفرة في الأسواق، كما توصل الباحث إلى أن الاتجاه لدى الصناعيين السوريين نحو تبني وتركيب هذه الأنظمة في معاملهم هو اتجاه حيادي، نظراً لندرة التجارب الصناعية التي تبنّت مثل هذه الحلول لتأمين الطاقة الكهربائية.

ومقترحات أكثر أهمية 

واقترح الباحث في ضوء النتائج التي توصل إليها (ببحثه التطبيقي) ضرورة إنشاء مخابر لفحص تجهيزات الأنظمة الكهروضوئية وتحديد مستوى جودتها، وضرورة تنفيذ مشروع ريادي في أحد المعامل العامة أو الخاصة ليكون تجربة يستنير الصناعيون بها، لتؤكد لهم مدى إمكانية تحقيق الفائدة بتوليد الطاقة الكهربائية من خلال الأنظمة الكهروضوئية، وكذلك ضرورة الاستفادة من تجارب الصناعيين في الدول الصديقة الذين قاموا باستخدام الأنظمة الكهروضوئية في منشآتهم الصناعية من خلال إرسال وفود من الصناعيين السوريين للاطلاع على هذه التجارب على أرض الواقع.

تحذير خطير

أما الخلاصة التي توصل إليها الباحث فتتمثل بتأكيده أن عملية تحويل الاتجاه الحيادي لدى الصناعيين نحو تبني تكنولوجيا الأنظمة الكهروضوئية إلى اتجاه إيجابي هو أمر أسهل مما لو كان الاتجاه لديهم سلبياً، وهنا يجب الإسراع في تنفيذ المقترحات لأن التأخر فيها قد يترافق مع ظهور تجارب سلبية تساهم في تحويل الاتجاه من حيادي إلى سلبي وهذا أمر خطير، فمجموعة من الإجراءات السريعة والتي لا تعتبر ذات كلفة عالية يمكن أن تساهم في دفع الصناعيين لتبني هذه التكولوجيا في سورية.

“إئتمانية” العربة والحصان..!

وبدورنا نختم: إن كان “يُقدَّر” للحكومة من أجل التشجيع على توطين واستخدام التكنولوجيا الكهروضوئية الحديثة، إصدارها في الآونة الأخيرة حزمة من القوانين والتسهيلات الائتمانية التي تشجع على استخدام الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء والاستفادة منها في تغذية الحمولات لدى مستخدمي هذه الأنظمة، مع إمكانية بيع الطاقة الكهربائية المولدة أيضاً لوزارة الكهرباء، وإنشائها صندوقاً للطاقات المتجدّدة يقدم القروض المعفاة من الفوائد كتشجيع إضافي لاستخدام الطاقة المتجددة، إلاّ أن هذا لا يمنع من مساءلتها عن جدوى ما عملته في وقت كانت امتلأت أسواقنا بتجهيزات هذه التكنولوجيا قبل التشريع والصندوق؟! ما جعل عملها يُوصف بأنها وضعت العربة أمام الحصان!!.

Qassim1965@gmail.com