تحقيقاتصحيفة البعث

التنجيم والفلك بين الحقيقة والخيال

تشكّل بداية العام موسماً يتهافت الناس فيه على متابعة المحطات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي لسماع التوقعات الفلكية لأبراجهم، خاصة أن النفس البشرية تعشق البدايات فطرياً، وتعتبرها فرصة لطي صفحة مؤلمة، وبدء حياة جديدة مفعمة بالأمل، وتشكّل هذه الطبيعة البشرية مرتكزاً هاماً لصنّاع التوقعات، وربما تمنحهم فرصة ذهبية لجني الأموال وحصد المشاهدات لتوسيع نطاق شهرتهم.

علم قديم 

ولا يقتصر علم الفلك على دراسة مواقع الكواكب والنجوم ورصد تحركاتها، فالفلكي يجب أن يكون لديه اطلاع بالفيزياء الفلكية، وحركة الكواكب، وطريقة مساراتها بين الأوج والحضيض، كما يجب أن تكون لديه طاقة ذاتية نظيفة خالية من الكدر والمزاج المتقلب، أضف إلى ذلك قوة الخيال والذاكرة الحاضرة، وحاسة سادسة متأهبة دائماً، هذا ما أكده لجريدة “البعث” خبير علم الأرقام ومدرب التنمية البشرية، ثابت الحسن، مضيفاً بأن علم الفلك هو علم قديم جداً ارتبط بالإنسان منذ ابتداء الخليقة، ثم تطور مع مرور الزمن فدخل في مجالات الحياة المتعددة كالعمران، والزراعة، واستصلاح الأراضي، وبناء السدود، والتنبؤ بالأمطار، والفيضانات والسيول.

ولفت الحسن إلى أنه في العصور الوسطى تم الفصل بين المدرسة الفلكية والمدرسة التنجيمية من خلال أن علم الفلك يدرس الحركة من الذرة إلى المجرة، بينما التنجيم هو دراسة حركات الكواكب ومدى تأثيرها على الأحداث.

علم الفلك وعلم الغيب

يؤكد الحسن أن الربط بين توقعات الفلك وتأثيرها على مجرى حياة البشر، وعلم الغيب، باطل، فعلم الغيب خاص بالله عز وجل لا يمكن لأحد الوصول إليه مهما بلغ من العلم والدراسة، كما أن علم الغيب هو سر إلهي مرتبط بحكمة تتعلق بحالة البشر، وذلك أن الإنسان لو تمكن فعلاً من معرفة بعض الغيبيات لأصبحت حياته بلا معنى، وربما يصاب باليأس والقنوط نتيجة لمعرفته بأحداث مستقبلية صادمة كفقد عزيز، أو التعرّض لحادث ما، أما علم النجوم فهو عبارة عن توقعات مبنية على مقدمات وأسباب ترتبط بحركة الكواكب والنجوم ومنازل القمر، وهي ليست حتمية شأنها شأن توقعات الأرصاد الجوية “تخطئ وتصيب”، أو التنبؤ بأسعار البورصة، أو نتائج مباريات كرة القدم التي تبنى على مقدمات ودراسات بناء على مؤشرات معينة.

بصمة فلكية 

أشار ثابت الحسن إلى أن أغلب الفلكيين يقومون بحساب كل برج عن طريق يوم وتاريخ الميلاد، ما يسمى بالبرج الميلادي أي الشمسي، وهناك حساب آخر للبرج وهو البرج العربي القمري المرتبط بحروف اسم كل شخص، وحروف اسم والدته، إلا أن الحسن يؤكد أن الطالع هو أصدق في الحساب، فهو يعتبر كالرقم الوطني الخاص بكل شخص، وهو مرتبط بساعة الميلاد، وحركة الكواكب تلك الساعة، لكنه يحتاج إلى دراسات عميقة جداً قد تكون غير متوفرة لأكثر المهتمين بعلم الفلك، ما يجعل الحسابات والتوقعات غير دقيقة، ولكن غالباً ما يكون الفلكي متفائلاً ليضفي على توقعاته أملاً وسعادة في قراءة الأحداث المستقبلية، وذلك لأن التفاؤل قد يمنح الأشخاص قوة وطاقة إيجابية إلى حين.

تفاؤل ليس إلا

في استبيان أجرته “البعث”، أكد البعض عدم ثقتهم وإيمانهم بتوقعات علم الفلك، واعتبروه نوعاً من الخزعبلات والترهات والكلام غير المنطقي، وذلك لأن التنبؤ بالأحداث والمغيبات من اختصاص الله عز وجل، ولا يمكن تصديق المنجمين على مبدأ “كذب المنجمون ولو صدقوا”، ولكنهم أكدوا مراقبتهم واهتمامهم بتوقعات أهل الفلك اليومية ومتابعتها من جهة الفضول، وربما لاجتثاث بعض الآمال المفقودة لواقع مرير بات يؤرق الغالبية العظمى الذين مازالوا يتمسكون بالأمل، فهو الخيار الوحيد الذي يمكنهم من استمرار حياتهم بالصورة الأفضل، وفي هذا السياق ذكر ثابت الحسن أن الإنسان يبقى متمسكاً بالحياة رغم مصاعبها، وينظر إلى ما حوله بعين الأمل والتفاؤل، وهذا من أهم مقومات الاستمرار بالحياة، فعلى الإنسان أن يبقى متفائلاً ليجذب إليه ما أمكن الطاقات الإيجابية التي قد تؤدي إلى تغيير مسار حياته نحو الأفضل، فهو الذي يصنع حظه بيده عن طريق اكتشاف الأسرار العميقة الخاصة به، وما يغيّر الله بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم، مع التأكيد على وجود بعض من يؤمنون بعلم الفلك إيماناً حقيقياً يؤدي بهم إلى تسيير حياتهم اليومية وربطها بالتوقعات، وهذا قد يكون خطأ، لأن العمل هو أساس النجاح والتفوق.

رأي علم النفس 

يرى علماء النفس أن الطبيعة البشرية تعشق كل ما هو مجهول وغامض وغيبي، إذ تؤكد الدكتورة في علم النفس جمانة خزام أن لدى البشر رغبة فطرية في معرفة مصائرهم، وإماطة اللثام عما هو مجهول، بما في ذلك مستقبلهم، وما ستؤول إليه أحوالهم، ما يدفعهم للجوء إلى المنجمين والمشعوذين أحياناً، لاسيما عند اضطراب نفوسهم ومعاناتهم في ظروف قاهرة خارجة عن سيطرتهم الشخصية علّهم يجدون بارقة أمل، ويشكّل ذلك في كثير من الأحيان نوعاً من العلاج النفسي الزائف الذي يخفف من الضغط والمعاناة النفسية لدى المؤمنين به، إذ يشعر هؤلاء بقدرتهم على توقع المستقبل، ما يمنحهم شعوراً زائفاً بالأمان والطمأنينة. وفي المقابل، يمكن لبعض التوقعات السلبية أن تخلق نوعاً من القلق والتوتر لديهم، فتكون نتائجها كارثية على صحتهم النفسية، فهم يتوقعون الفشل فيما هم مقبلون عليه في العمل والدراسة، أو حتى في الزواج، ويترقبون العقبات والعراقيل التي ستحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم.

وفي الحقيقة يلجأ المنجمون إلى صياغة عباراتهم بطريقة فضفاضة تنطبق على معظم الأفراد أياً يكن تاريخ ميلادهم، سواء كانوا يتحدثون عن صفات الأفراد الذين ينتمون إلى برج معين، أو عندما يتحدثون عن التوقعات المستقبلية، الأمر الذي يجعل المتلقي يصدق ما يقولون.

ويشير علم النفس – حسب خزام – إلى أن الفرد الذي يعاني من ضغط نفسي شديد يتعطل لديه دماغ المنطق فيكون غير قادر على معالجة المشكلات وتسيير شؤون حياته باستخدام العمليات العقلية العليا، أي يغيب التفكير المنطقي لديه، ويسيطر الدماغ الانفعالي على أفكاره ومشاعره وسلوكه، وبالتالي يكون أكثر قابلية لتصديق كل ما يسمعه حتى لو تنافى مع المنطق.

ذكاء أسعد