رأيصحيفة البعث

سورية وتعقيدات آخر العام

أحمد حسن

على وقع رسائل أمريكية حائرة بين التشدّد والانفتاح “الموارب” في كافة الملفات العالمية – وهي حيرة يغلّفها ويفرضها الاحساس القوي بالفرق بين الإرادة والإمكانيات – ودعت سورية، والعالم، عامنا الحالي بوضعية جمود سياسي أنتج بطبيعة الحال، وفيما يخصنا تحديداً، حيرة وتخبطا وتشدّدا “استباقيا واحتياطيا” في صف أذرع وأتباع واشنطن المعروفين بانتظار رسو سفينة قراراتها النهائية على برّ معروف.

فحتى اللحظة، على سبيل المثال، لم تتلق الحكومة المصرية، بحسب وزير الطاقة فيها، استثناء واضحاً من أحكام قانون قيصر لإنجاز عملية بيع الغاز للبنان، رغم الاندفاعة و”التطبيل” الأمريكي السابق لهذا الأمر، وهذا مثال بيّن ودال على الحيرة بين التشدد والانفتاح كما على استمرار ربط، وارتباط، القضايا، الإقليمية والعالمية، بعضها ببعض.

بهذا الإطار، نفهم مثلاً كيف خرجت أحداث الحلقة السابعة عشر من مسلسل أستانا على هذه الصورة الباهتة والغريبة أيضاً، بدءاً من مستوى “التمثيل” فيها وصولاً إلى الفرق بين “القول” داخلها و”الفعل” خارجها، ففيما أوحى الأول باتفاق “ثلاثي” بين الضامنين على وحدة الأراضي السورية وسلامتها وسيادتها، وبتأييد “جماعي” للمساعي السورية والروسية في إجراء مصالحات في محافظتي درعا ودير الزور، لأنها – بحسب البيان الختامي – “قد تسهم في إنجاح الجهود الرامية إلى استقرار الوضع”، كان الثاني، أي “الفعل” على الأرض، وتحديداً من الطرف التركي، يناقض كل ذلك بصورة كاملة.

فالرجل الذي بلغه سلفاً “خبر” التشدد الأمريكي، “تخفّف”، سلفاً أيضاً، من “حمل” أستانا عائداً إلى أطماعه و”أطلسيته” المعهودة، وهو، للمناسبة، لم يكتف هذه المرة باستمرار اعتداءاته الفاجرة على الأراضي السورية، وبالتالي المساهمة في “عدم” استقرار الوضع، بل قدّم أوراق اعتماد واضحة للبيت الأبيض في في قضية أوكرانيا.

والأمر ذاته فعلته أنظمة عربية حاكمة، وإن كان لها أسباب أخرى بعضها نووي وبعضها “يمني” – وداخلي أيضاً يتعلق بترتيبات كرسي المُلك المقبلة – فأعادت إلى الأذهان، فيما يخص دمشق، “خطابات” سابقة منتزعة من أحلام العام الأول للأزمة لـ “تثبت” للسيد الأبيض تشددها، في ذات الوقت الذي أخرجت وسائل إعلامها “الحرّة” بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين من سباتهم ليشتكوا – باسمهم علناً وباسمها ضمناً – انفراد إدارة بايدن بسياستها السورية، ويحذروها بالتالي من مغبّة التفرد في سورية في الحوار مع موسكو مطالبين، ومذكّرين، بـ”ضرورة التنسيق مع حلفائها العرب والإقليميين والأمم المتحدة لضمان نجاحها في تحقيق أهدافها المعلنة”!!.

وبالطبع فإن المقصود، من كل هذه العبارة الطويلة والجميلة، التذكير بوجودهم وأهميتهم كحلفاء لواشنطن، والأهم التنبيه إلى حيرتهم وخوفهم من الإشارات المقلقة والمتعاكسة التي تصدر من هناك.

وإذا كان ذلك مفهوماً في عالم السياسة، وقد اعتدنا على تقلباتها، فإن ما يعنينا، في الداخل السوري، أن واشنطن، في “حيرتها” هذه، أعلنت دون مواربة تمسكها بأوراق مؤثرة فعلياً: ورقة الوجود العسكري، ورقة العقوبات الجائرة واللاشرعية، ورقة إعادة الإعمار – وأحد أهم أهدافها “تجويع” المواطن ودق اسفين حاد بينه وبين دولته لاستخدام ذلك في سياسة “الإخضاع والاستتباع” – وإذا كنا لا نستطيع بالطبع – لا نحن ولا دول كبرى – تجريدها من هذه الأوراق، فإن واجبنا التخفيف، على الأقل، من انعكاساتها السلبية علينا، وتلك معركة يتوجب على الجميع – أي فرض عين لا كفاية – في الداخل، مواطناً وحكومة أولاً، خوضها كلّ في، ومن، موقعه، وإلا سنكون جميعاً، مرة جديدة، ضحايا العام القادم وما بعده.