منطق العقل الذي ترفضه أوروبا
علي اليوسف
ما زال الاتحاد الأوروبي يكابر مدفوعاً بالهمس الأمريكي أنه قادر على مواجهة روسيا في الأزمة المتصاعدة على الحدود مع أوكرانيا. لكن وحده رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي كان متصالحا مع نفسه حين أكد أن الاتحاد الأوروبي لا يملك ما يكفي من عناصر القوة لسياسة ردع ناجحة تجاه روسيا، ومن الأفضل الإبقاء على “حالة من التواصل” مع موسكو. وطرح سؤالاً مهماً خلال المؤتمر الصحفي التقليدي في نهاية العام: “ما هو العامل الرادع المتاح لدى الاتحاد الأوروبي لمواجهة روسيا؟ هل لدينا صواريخ، سفن، ومدافع، أو جيوش تكفي؟”.
هذه التصريحات – على ما يبدو – لا يريد الاتحاد الأوروبي سماعها، رغم معرفته أن لحلف شمال الأطلسي أولويات إستراتيجية مختلفة عن الأوروبيين الذين يعانون اقتصادياً، فهم على سبيل المثال غير قادرين على فرض عقوبات على روسيا تشمل الغاز، خاصة في هذا التوقيت. لذلك من الأجدى بالاتحاد الاوروبي عدم الانجرار وراء النوايا الأمريكية، بل من حيث الجوهر يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يحاول قدر الإمكان الحفاظ على حالة من التواصل مع روسيا على غرار ما قام به الرئيس الأمريكي نفسه خلال القمة الافتراضية مع فلاديمير بوتين الأخيرة، بدلاً من أن يكون كبش أمريكا في مواجهة روسيا.
حتى الآن لا تزال السيناريوهات مثل ما هي، وأوروبا لا تريد الاستماع الى منطق العقل – منطق دراغي – بل لتشديد العقوبات واتخاذ “إجراءات غير مسبوقة” ضد روسيا، كما تقول رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، دون إدراك بأن هذا النهج في علاقته بقضايا الأمن، واتباع التعليمات الأمريكية، سيعقد المشهد بدلاً من حله، وبالتالي سيكون عنصرا لزعزعة استقرار الوضع ليس فقط في القارة الأوروبية، ولكن في المنطقة الأوروبية الأطلسية.
وبإجراء مراجعة سريعة لتاريخ العلاقات الروسية – الأميركية، فإن الولايات المتحدة لم تكن يوماً تريد علاقات متكافئة لا مع الاتحاد السوفييتي السابق، ولا مع روسيا المعاصرة، وهي تريد الصداقة والتعاون مع موسكو بعيداً عن أي مواقع متكافئة، بل من الواضح أنها تريدها في الموقع الذي يحلو لها تحديده.
إذاً، الخلافات تتصاعد والتوتر يزيد حدة بين روسيا من جانب، والولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي والناتو من جانب آخر. وجاءت المناورات البحرية لحلف الناتو، الثانية في هذا العام، في حوض البحر الأسود على مقربة مباشرة من الأراضي الروسية لتزيد من سخونة الموقف. لكن بكل الأحوال، إذا أصر الناتو على استمرار التوسع إلى الشرق نحو حدود روسيا ومن خلفه الأوربيين، فلا شك أن التبعات ستكون ثقيلة، ومن أهمها إعادة إحياء أجواء الحرب الباردة من تنافس وصراع وسباق تسلح.