الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

انتظار آخر

سلوى عباس 

أيام قليلة وتودّعنا سنة 2021، تحمل حقائبها وتعتمر قبعة الرحيل معلنةً قدوم سنة جديدة تطلّ علينا بكل ما تحمل من مفاجآت وأحلام تفردها حلماً حلماً، فتدغدغ آمالنا، وترسم لنا آفاقاً بطيوف ملوّنة ننسجها بخيالنا وأمانينا الخضراء كربيع نثر وروده في أروقة الزمان والمكان ليفوح عبيرها عطراً شذياً. عام يرحل تاركاً وراءه الكثير من الخيبات والانكسارات والأحزان، فكم من أحبة غادرونا إلى عالم آخر مختلف لا ندري إن كانوا يحسبون فيه الأعوام كما نحسبها، ولا إذا كانت أيامهم تتشابه مع أيامنا، لكن هي الحياة تسير برتمها المعتاد لاتتوقف أبداً والأجيال تعيش تفاصيلها كما يرسمها لها القدر، وكل جيل يسلّم الجيل الذي يليه ما عجز عن تحقيقه من آمال وأمنيات، والشباب يمثلون امتداداً لأحلام الكبار وآمالهم التي لم يتمكنوا من تحقيقها، ويكونوا هم الشهود على هذه الأحلام الفتية يباركونها ويشعلون فيها جذوة الأمل.

تطلّ علينا السنة الجديدة وأرواحنا مثقلة بالحزن، مختنقة برجيع الوجد والذكريات كغصن ناء بالنضوج وأينعت تفاحات عذابه وضجت باحمرارها الدموي، فاختصرت بهاء الحياة فيها ورمّدها الرحيل.. أصدقاء وأحبة يغادروننا ويأخذون قلوبنا معهم، يتوارى جسدهم عن حافة العين ويتكاثف الضباب، وتبدو كل الأمكنة ملتفتة إلى مفرق ينكسر عليه الضوء في انعطافة الرحيل لتكبر المسافة بيننا وبينهم، ولا يبقى لنا إلا أحاديث كانت يوماً، نستذكرها ونقتات عليها حتى يحين أجلنا ونلتقي بهم من جديد.

الكلّ يسعى لاستقبال العام الجديد، ووحدي أودّع سنتي حزينة، مسكونة بالرماد ومشاهد الرحيل.. أستعيد صور أحبة غادروني وزرعوا فراقهم في روحي وجعاً أبدياً. وحدي أطوي ساعات اللهب المضطرم في نفسي، وأهدّئ البال عن تداعياته واندلاعاته المجنونة.. حزينة أركن إلى نافذة لا تفتح ضلفتها على قلبي، أحاول أن ألمّ تلاً من فضة الأحلام تلاشت في المدى، وأنفض ما تعلق من صوتي على وريقات الشجر وانعطافات المسالك الحجرية. هذه أنا.. إنسانة كما الحياة أحمل الكثير من تناقضاتها ومفارقاتها معجونة من حزن لا يشبه الأحزان، مزركشة بفرح لا يدرك كما الأفراح، تنعشني من عيون أحبائي لمعة، وتلمّ شملي منهم كلمة، منفردة بسجاياي منشرحة أمام أصدقائي كصفحة من ورق، واضحة كعبارة خطّت على كف طفل صغير، وجافة كصحراء مدارية لا تعرف العشب، أخذت من نفسي كل ملامحي ومن قلبي جمعت لغتي، ونشرت أوردتي طريقاً، وفي كفي حملت روحي لا ألوي إلا على حبّ عسى أعوامنا المقبلة تكون أكثر أماناً واستقراراً، وتحمل لكل إنسان مايتمناه، ومع بداية العام الجديد الذي يتقدم نحونا بخطا متثاقلة، يئنّ تحت وطأة حقائبه المترعة بغيبيات يترجمها كل واحد منا حسب ما يتمنى ويريد، هل لنا أن نقف لحظة مع أنفسنا نراجع فيها حساباتنا.. أين نجحنا.. وأين أخفقنا.. وأن نكون صريحين في رؤيتنا لأنفسنا ولمن حولنا، ونعمل على تحقيق الأحلام التي رسمناها في مخيلتنا ولم تتح لها الظروف لتترجم إلى واقع حيّ، وأن نعمل على استدراك الحلم والإمساك به من جديد.

في صباحي الأول من العام الجديد سأترك المطر يعمّد قلبي بالنور، وسأفرد ابتسامتي عصفوراً يصعد إلى قبة الزرقة ماسكاً الغيم من غرته ليرشف أول الفجر ويوقظ شوق الكون للحياة، صباح يتوقف فيه الزمان في لحظة فرح وحنين وشغف يمسك بالقلب لتشرق روحنا بالحب.