أكثر رأفة “؟!
بشير فرزان
ودعنا العام الماضي كمواطنين على أمل أن يكون العام الجديد أكثر رأفة بأحلامنا البسيطة التي لا تتعدى كونها متطلبات أساسية غير متطابقة مع مواصفات الرفاهية، الخاضعة أيضاً في هذه الظروف لأقسى أنظمة التقشف. ونظراً لقساوة المقارنات سواء داخل المجتمع أو مع مجتمعات أخرى، سنكتفي بالإشارة إلى أن شراء الألبسة بات شكلاً من أشكال الرفاهية بعد أن تخطت أسعارها قدرة أصحاب الدخل المحدود الذين لاحول ولاقوة لهم حتى في أسواق البالة أو غيرها من الأسواق المدرجة سابقاً ضمن تصنيف “الشعبية”.
وإذا كان بدء العد التنازلي لمرحلة تنفيذ الوعود التي ازدحمت في روزنامة عام 2022 سيولد حالة من الارتياح المرسومة في يوميات المواطن ضمن سلسلة التصريحات والقرارات التي حملت في مضمونها ما يسكن المخاوف ويسكت الهواجس من خلال وضع خطط للحلول والتأكيد على عدم تجيير التحديات والمشكلات إلى العام الجديد، إلا أن ذلك أيضاً سيجدد المواجهة المباشرة مع العديد من الملفات الضاغطة على واقع الحياة العامة التي تمثل نقاط ضعف في الأداء الحكومي وفي مقدمتها الكهرباء والمحروقات وضبط الأسواق (الغلاء) وغيرها من وقائع الحياة المعيشية قالجميع يترقب نتائج خروج 600 ألف عائلة من تحت مظلة الدعم حسب التصريحات وانعكاسات الوفر المحقق على حياة ملايين العائلات الباقية تحت هذه المظلة والحالمة بالخروج من عقدة زرع الأمل التي تكبل العمل الحكومي وتخضعه لصيغة “السين .. وسوف” دون الانتباه إلى مدى صلاحيتها في هذه الظروف.
وليس أمامنا في اليوم الثاني من العام الجديد إلا أن نعيد تجديد “الأمل” بأن لاتتسارع مؤشرات المشهد المعيشي نحو المزيد من التعقيد وتدفق التحديات المختلفة على حياة الناس ..وأن لا تطابق التوقعات المتعلقة باقتراب موجة جديدة من الغلاء التي ستطال الكثير من المواد مع مؤشرات الأسواق المحلية الدالة على خلل في المعادلة التسويقية التي يقل فيها العرض ويتعاظم الطلب على الكثير من المواد غير المتوفرة وبشكل يزيد من حجم وشدة المواجهة بين الأداء الوزاري والمستجدات التي تحتاج إلى توحيد الجهود وتسريع وتيرة الإجراءات والقرارات المتخذة على جبهة الحلول بمختلف مناحيها واتجاهاتها من جهة وبين الحكومة والشارع السوري المترقب للإنفراجات بشتى أنواعها.
وطبعاً، الإقرار بأن تقلص وانكماش الأنشطة الإنتاجية والمتمثل بتراجعات حادة في كل القطاعات نتيجة الحرب والحصار كان له الدور الأكبر في توجيه الدفة الاقتصادية بكل مسارتها، لايعني إعفاء المخطط الاقتصادي بكل أفكاره الاستشارية من مسؤولية الخلل الحاصل في بنية وهيكلة الاقتصاد بعد سلسلة طويلة من القرارات غير المتوائمة مع متطلبات الواقع الجديد والتي نتج عنها تراجع مستوى المعيشة ونوعية الحياة وخاصة بالنسبة للطبقات الفقيرة والشرائح الهشة فحالة الغلاء الدائمة والمتصاعدة التي تعيشها الأسواق وضعف الرقابة وفوضى التسعير (وانتشار الغش وتدني نوعية المنتجات) وسطوة احتكار القلة وعدم القدرة على رسم خارطة الدعم وإغراق السياسة النقدية في متوالية التصدير والاستيراد والتخبط في تحديد الموارد وحصرها في الجانب الضريبي ..دفع بعجلة الواقع الاقتصادي والحياتي إلى هاوية الفشل المعيشي .
ولاشك أن الانتقال بالمشهد الحياتي المعيشي و الاقتصادي والاجتماعي إلى حالة التغيير الحقيقي لن يكون أمراً سهلاً وخاصة بالأشهر الأولى من هذا العام، إلا أنه ممكن وقابل للتحقيق في حال تم ضبط عملية التكاثر المشبوه لمن ركب موجة الظرف الاستثنائي وتلذذ بمكاسب الفساد والهدر بكل أصنافه إلى جانب تفعيل وتسريع عجلة الإصلاح الإداري التي سيكون بطء قراراتها أكثر إيلاما لحياة السوريين باختصار إغلاق ملفات كبيرة يحتاج إلى خطوات حاسمة تندرج تحت عنوان (قرارات الحرب )؟