ثقافةصحيفة البعث

الباحث محمد قجة.. حداثة التراث العابرة للعصور

حلب – غالية خوجة

تتألق حلب بتفردها الحضاري المتأصل منذ آلاف السنين، وتظل علامة على جبين الإنسانية مميزة بتراثها الإنساني المادي واللا مادي، كما تتميز بشخصياتها الفارقة التي تعتّقها بين جيل وجيل، لتكون هذه الشخصيات طفرة علمية وأدبية وبحثية في تأريخ هذه الشهباء العريقة.

ومن هذه الشخصيات الباحث الموسوعي محمد قجة الذي تحولت ذاكرته إلى مكتبة وثائقية تجود بحداثتها وأصالتها، وتمتلئ رفوفها بمسيرة زمنية عن حلب والتراث العربي والإسلامي المتنوع. أو ليس هو الذي أمضى عمره بين العصور متجولاً مع المتغيرات بين البحث والكتابة والمشاركة في المحاضرات والمؤتمرات والندوات والمهرجانات المحلية والعربية والعالمية؟ بكل تأكيد هو كذلك إضافة إلى إجادته لإدارة الوقت وتوظيفه في مشاريعه المختلفة الكثيرة التي تراكمت لتشكّل نتاجاً علمياً تأريخياً متميزاً حافلاً بالمعلومات الموثقة المرجعية لكل طالب وراغب في البحث. ولزائر بيت الأديب الباحث قجة أن يشعر وكأنه يدخل متحفاً بأقسام متنوعة، تتضمن جدرانه لوحات تشكيلية لفنانين أعلام، تلمح لوحاتهم وألوانهم وهي تسرد العديد من المشاهد الواقعية والسوريالية والرمزية والتجريدية، وتحكي الكثير من الأحداث الاجتماعية التي تحدث في المقهى، والشارع، والأماكن المختلفة، كما تحكي عن الذات الإنسانية وهي تنثر معاناتها بين لوحات الوجوه، وأحلامها بين مولوية المتصوفة ومنحوتة ربة الينبوع، بينما تتماوج المكتبة المنزلية بكتب تتضمن كافة المجالات، وجميعها يحتاج لعمر إضافي لقراءتها والاطلاع عليها والغوص في أعماقها المتأهبة للتحليق.. تتحرك ضمن “البيت – الصومعة” نصوص أخرى من تأملات ساكنيه، وتبعث الطمأنينة في أرجاء المكان التي تأخذنا برحلة مع صوت الباحث قجة وهو يخص “البعث” بالحديث عن تجربته وعلاقته بمدينته حلب وعاصمة وطنه دمشق ومكرمة السيد الرئيس د.بشار الأسد من خلال زيارة منصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية لمنزله باسم الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى أسماء الأسد. وليس غريباً عن السيد الرئيس مفاجآته ومبادراته الاستثنائية المشرقة التي يتوقعها كل منا في أية لحظة، خصوصاً، وهو القائل “حلب في عيوني”.

أفخر بحضارة وطني العريقة

بدأ الباحث المؤرخ الأديب قجة إجابته قائلاً: أفتخر بأنني ابن هذه الحضارة العريقة الممتدة عبْر آلاف السنين والتي تمثلها بلاد الشام بكل تجلياتها وعلاقاتها الواسعة مع أقطار الوطن العربي، وأخص مدينتي حلب التي نذرت لها حياتي دراسة ومتابعة وكتابة ومحاضرات من خلال عملي في جمعية العاديات لمدة ربع قرن، ومن خلال احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية من غير أن أنتظر أية مكافأة أو تعويض، بل رفضت ذلك، لأنني كنت أعمل عن محبة ووفاء وإخلاص لهذا الوطن الذي أعطاني ولا يزال يعطيني وسوف يبقى يعطيني ومهما قدمت له فإن هذا التقديم غير كاف بالنسبة لما منحني إياه الوطن.

التراث الصوفي الموسيقي

وتابع عن علاقة روحه وكلماته المتجولة بين حلب ودمشق: لي دراسات طويلة جداً وكثيرة جداً ولا تحصى عن مدينة حلب وعن التراث العربي وعن مدينة دمشق عاصمة الدولة العربية مترامية الأطراف، وأعتز، كما ذكرت، بكل هذا التراث، طبعاً، دراساتي عن مدينة حلب فيها كتب كثيرة تغطي الجوانب العمرانية والاقتصادية والثقافية والفنية بكل جوانبها من أمثال “حلب في كتاباتي وقصائدي”، “حلب مطلع القرن العشرين”، “التراث الصوفي والموسيقي في حلب”، “أعلام معاصرون من حلب”، وغيرها من الكتب.

المدن بعيون الشعراء

وعن المدن والشعر، أجاب: لي كتاب “حلب في عيون الشعراء”، و”القدس في عيون الشعراء”، و”دمشق في عيون الشعراء”، إلى جانب اهتماماتي الأندلسية الواسعة، ولي 5 كتب في هذا الميدان.

سعيد بالتكريم

وعبّر عن سعادته بالتكريم الرئاسي قائلاً: طبعاً، بهذه المناسبة، أريد أن أنوه إلى أن التكريم الذي تلقيته من السيد الرئيس ومن السيدة الأولى أعتبره تكريماً لكل المثقفين لأننا نعمل في هذا الوطن تحت مظلة محبة الوطن وتقديم كل ما يلزم منا لهذا الوطن، ولهذا، كنت سعيداً جداً بهذا التكريم وبهذه المبادرة السامية الرفيعة التي كرست تكريمات وتكريمات لي مرات ومرات في وطني سورية، منها جائزة الدولة التقديرية وجوائز أخرى كثيرة، وتكريمات في عدد من الدول العربية، وخاصة مصر، وعدد من الدول الأجنبية، ولذلك، أنا سعيد بالغ السعادة بهذه المناسبة، وكما ذكرت أعتبرها تكريماً لمدينة حلب وتكريماً لكل مثقف في هذا الوطن.

العمل الطوعي يبني الأوطان

تعلمت من خلال عملي الطويل في ميدان العمل العام وفي منظمات المجتمع المدني أن العمل الطوعي هو المقياس الحقيقي الذي تبنى عليه الأوطان خلال ربع قرن في جمعية العاديات وخلال عملي في حلب عاصمة الثقافة الإسلامية رفضت أن أتقاضى أية مكافأة لأنني نذرت نفسي لأن أكون جندياً في خدمة هذا التراث العظيم تراث أمتنا بشقيه المادي العمراني وغير المادي من أمثال وموسيقا وعادات وتقاليد ولهجات.

نجاح أسلوب الإدارة الديمقراطي

وعن تجربته وأسرار النجاح قال: تعلمتُ أيضاً ومن خلال هذه التجربة أن الأسلوب الديمقراطي في إدارة جمعية العاديات هو الذي أعطانا هذا النجاح، وهو الذي جعل الجمعية تأخذ اسماً كبيراً على مستوى الوطن العربي وصولاً إلى اليونسكو، كما كانت احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية مناسبة لأن ننقل اسم هذه المدينة إلى هذه الآفاق الواسعة، تلك الاحتفالية التي حضر فيها أكثر من ألف باحث من خارج سورية خلال عام كامل، شاركوا في 27 ندوة دولية كبرى تتعلق بالتراث العربي والحضارة الإسلامية ومدينة حلب، ولا شك، أن عملاً مثل هذا، يمكن أن تقع فيه بعض الزلات، ولكن، المهم هو النتيجة التي من خلالها يتحقق ما أراده العمل، وهذا، بحمد الله، ما توصلنا إليه، وتحقق لنا الهدف الذي رسمناها منذ البداية، وأنا فخور جداً بأنني أمارس هذا العمل الطوعي في حياتي لخدمة مدينة حلب وخدمة وطني سورية وخدمة ثقافتي العربية وخدمة الحضارة الإنسانية.