الشاعر المحارب خالد أبو خالد .. وداعاً
ذهب أبو خالد إلى السماء ملتحقاً برفاق سبقوه ومودِّعاً جيلاً من الأحبة، كتاباً وشعراء، فلسطينيين وعرباً، ذهب إلى آخر صفحة في ديوان العوديسة الفلسطينية لتطوى آخر راية في صفحة شعراء الثورة الفلسطينية المؤسّسين. رحل المحارب الشاعر ابن سيلة الظهر، ابن الشهيد القسامي الذي جالَ كل ساحات المواجهة مع مغتصب أرضه ومشرد شعبه، لم يهادن وبقي صاحب المقولة: إما فلسطين أو فلسطين.
حدثني ذات يوم عن البلاد التي تنام في الحلم مثل زيتونة تملأ الهضاب والوديان، وحين كان طفلاً يعمل مع والدته في قريتهم بقطاف الزيتون، كان الصغار يصعدون أعلى الشجرة ليصلوا إلى الحبات البعيدة فيتمايل الغصن مع الهواء مثل أرجوحة، هذا عمله الأول الذي استمر لنهاية القطاف، وفي الليل يحلم الصبي كأنه ينام في شيالة يهزها الهواء.. في هذه الصورة التي تتداخل حوادث الواقع مع المنام، كم هي غالية على عاشق شاعر مسكون بالبلاد، هذه الصورة التي لا تُنسى عن هذه الرجل الكنعاني، جعلتني أتقصّى حدود بلاغة هذا المحارب في جوانب بعيدة عن الشعر، فكان الفن التشكيلي، وربما قلائل الذين يعرفونه فناناً تشكيلياً، فقد رسم منذ بداياته أغلفة دواوين بعضهم، وكان منهم بدر شاكر السياب، كما التحق ببعض معاهد الفنون الجميلة والتقى بعدد من التشكيليين وتأثر بهم وخاصة في سورية.. كم حدثني عن ناظم الجعفري وبراعة هذا المصوّر الحاذق والعاشق لدمشق.
لوحات رسمها لفلسطين وحلم العودة وللسيد المسيح مصلوباً.. خالد أبو خالد أرسمك اليوم معتمراً كوفية الثورة متنكباً زيتونة البلاد نحو البيت المطلّ على سهل مرج ابن عامر، وبحر حيفا ويافا وطبريا والناصرة وجنين والخليل وصولاً إلى آخر برتقالة في أرض كنعان لتطعم حمام البيوت التي لا.. لا.. ولن تموت.
أكسم طلاع