حقوق الإنسان والديمقراطية أدوات واشنطن للهجوم على الصين
محمد نادر العمري
شهد العقد الأخير صراعاً حقيقياً بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، الذين يدورون في فلكها، في مجابهة الدول الصاعدة والتي تُعرف بمناهضتها للمواقف والسياسات الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً، حتى بات توازن القوى العسكري الذي بدأت معالمه تتبلور خلال هذا العقد يحول دون إقدام الغرب على غزو هذه الدول التي باتت اليوم تشكل أحد أهم محاور النظام الدولي وتمثله الجمهورية الشعبية الصينية وروسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وقد شكّل ملفا حقوق الإنسان والديمقراطية أهم أدوات واشنطن وساكن بيتها الأبيض، للضغط على هذه الدول، إلى جانب الحصار الاقتصادي ومحاولة إثارة الفتن داخل هذه الدول، يقيناً منها بأن القوة العسكرية وأي شكل من أشكال الاشتباك المباشر لن تكون في مصلحتها ولن تلبي مطامعها الجيو استراتيجية والمتمثلة باستمرار هيمنتها الأحادية على القطبية الدولية ونظامها العالمي.
كان الصراع مع الصين أحد أبرز محدّدات السياسة الخارجية الأمريكية منذ تولي إدارة باراك أوباما الحكم في ولايته الأولى 2008، وإعلان استراتيجيته المتضمنة المسارعة نحو تعزيز الوجود والعمل والثقل في جنوب شرق آسيا، حيث برزت منذ تلك الفترة عناوين ثلاثة لتحقيق الهدف الأمريكي: الأول تقليدي أي توسيع دائرة القواعد العسكرية في الدول الحليفة للولايات المتحدة في تلك الرقعة الجغرافية كاليابان وفيتنام وكوريا الجنوبية، أما الثاني فهو اتهام الصين بخرق ميثاق حقوق الإنسان العالمي ضد الإيغور، وكذلك مصادرة حرية وتوجهات المواطنين في تايوان، وغير ذلك من الاتهامات، حتى أن غراهام آليسون الخبير الأمريكي في العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة ويستفاليا ذكر في بحثه الأكاديمي، منتصف عام 2015، والمعنون بـ”أثر صعود الصين على الهيمنة الأمريكية وكيفية التصدي له”، أن الولايات المتحدة “ليس لديها قوة صلبة أو ناعمة لهزيمة الصين سوى زرع الفتنة في جسد هذا التنين، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا من خلال مسارين متلازمين: الأول هو إنعاش القضايا الانفصالية في الصين والتي يمكن أن تشكل خلايا سرطانية تنتشر وتتمدّد بسرعة، وتنظيم مؤتمرات وإصدار تقارير على مستوى الدول والمنظمات المعنية للضغط على الصين”.
وتمثل العنوان الثالث بإقامة حشد دولي تكون مهمته احتضان المعارضة الصينية وتقديم مساعدات لوجستية ومعنوية لهذه الأقاليم كما حصل في تايوان 2018-2019، واتخاذ المنابر الدولية منصة للهجوم على الصين بالتزامن مع فرض العقوبات الاقتصادية عليها.
صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية أتخمت وسائل الإعلام بالبيانات والتصريحات الإعلامية التي تتمتّع ببريق الديمقراطية وحقوق الإنسان وانتهاكهما من قبل الصين، إلا أن ذلك شكل انقلاباً على هذه الدول ذاتها، حيث استطاعت الصين خلال السنوات السابقة التحرك مع حلفائها لإدانة أميركا التي تدّعي هذه الديمقراطية، وهذا تجلّى بداية بـ:
- انتقاد الجمهورية الشعبية الصينية في عام 2015 عبر صحيفة الشعب اليومية الأوسع انتشاراً في الصين الإدارة الأمريكية التي كان يترأسها ترامب من حيث طريقة تعاملها مع الاحتجاجات التي اندلعت في مدينة بالتيمور جراء وفاة شاب أسود وغيرها من المدن مثل فيرجسون بولاية ميزوري، واصفة الأسلوب الأمريكي بأنه يكشف زيف المزاعم الأمريكية عن أنها مجتمع ينعم بالمساواة، وكشفت “الضعف المنهجي في النظام الأمريكي”، وهذا الحال ذاته انطبق على قضية مقتل الأمريكي جورج فلويد.
- انسحاب الولايات المتحدة بشكل رسمي من مجلس حقوق الإنسان في عام 2018، بعد اتهام المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة حينها “نيكي هيلي” المجلس بأنه منظمة منافقة وأنانية وتستهزئ بحقوق الإنسان نتيجة قرار المنظمة الذي أدان الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين، وهو ما اعتبر من قبل الصين والدول الحليفة لها بأنه سلوك أمريكي يعبّر عن تسييس هذا الملف وتحويله إلى أداة استخدمته أميركا خلال الحرب الباردة والقطبية الأحادية كوسيلة لتغيير أنظمة الحكم.
- امتلاك الصين العديد من الوثائق والأدلة التي تثبت ضلوع الغرب وأميركا في إشعال فتيل الاضطرابات والفوضى ودعم الانفصال في الأقاليم التابعة للصين، وهذا ما ألمحت إليه وزارة الخارجية الصينية ووثائق ويكليكس في الفترة الممتدة بين عامي 2017 و2019.
- زخم التقارير الصينية المندّدة بالتصرفات الأمريكية تجاه دول العالم التي غزتها من العراق إلى أفغانستان وليبيا وسورية وغيرها الكثير، حتى أن العام 2021 شهد أكثر من 6 تقارير صينية تتحدث عن نفاق أمريكا باستخدامها ملفي الديمقراطية وحقوق الإنسان في إطار عقلية الحرب الباردة.